( وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ) ( يوسف : 101 ) فقد استعمل التأويل في جميع هذه الموارد من قصّة يوسف فيما يرجع إليه الرؤيا من الحوادث ، وهو الذي كان يراه النائم فيما يناسبه من الصورة والمثال ، فنسبة التأويل إلى ذي التأويل نسبة المعنى إلى صورته التي يظهر بها ، والحقيقة المتمثّلة إلى مثالها الذي تتمثّل به . نعم ، يبقى أن نعرف لماذا بيّنت هذه المعارف والحقائق بلسان المثل ، أليس كان من الأفضل الكشف عنها صريحاً حتّى لا يقع الناس في جهالة التشبيه وضلالة التمثيل ؟ والجواب : أنّ ذلك لعلّه يرجع إلى ما ذكره القرآن من أنّ هذه الحقائق - وهي في أُمّ الكتاب - أعظم ممّا يمكن للناس الوقوف عليه من خلال عقولهم وأفهامهم ، لذا حاولت البيانات القرآنيّة أن تنزّل تلك المعارف منزلة قريبة من أُفق إدراكهم لينالوا ما شاء الله أن ينالوه من تأويل هذا الكتاب العزيز . من هنا يتّضح ضرورة عدم الوقوف على الظاهر القرآني ، بل لا بدّ من العبور منه للوصول إلى لبّ القرآن وباطنه الذي هو تأويله . قال الغزالي : « ومَن زعم أن لا معنى للقرآن إلاّ ما ترجمه ظاهر التفسير فهو مخبر عن حدّ نفسه ، وهو مصيبٌ في الإخبار عن نفسه ، ولكنّه مخطئ في الحكم بردّ الخلق كافّة إلى درجته التي هي حدّه ومحطّه ، بل الأخبار والآثار تدلّ على أنّ في معاني القرآن متّسعاً لأرباب الفهم . قال عليّ رضي الله عنه : إلاّ أن يؤتي الله عبداً فَهْماً في القرآن . فإن لم يكن سوى الترجمة المنقولة ، فما ذلك الفهم ؟ وقال ابن مسعود رضي الله عنه : مَن أراد علم الأوّلين والآخرين فليتدبّر