القرآن ، وذلك لا يحص 4 ل بمجرّد تفسير الظاهر » [1] . ثمّ قال : « فإن قلت : هذا الكلام يشير إلى أنّ هذه العلوم لها ظواهر وأسرار ، وبعضها جليّ يبدو أوّلاً ، وبعضها خفيّ يتّضح بالمجاهدة والطلب الحثيث والفكر الصافي والسرّ الخالي عن كلّ شيء من أشغال الدُّنيا سوى المطلوب ، وهذا يكاد يكون مخالفاً للشرع ، إذ ليس للشرع ظاهر وباطن وسرّ وعلن ، بل الظاهر والباطن والسرّ والعلن واحد فيه ؟ فاعلم أنّ انقسام هذه العلوم إلى خفيّة وجليّة لا ينكره ذو بصيرة ، وإنّما ينكره القاصرون الذين تلقّفوا في أوائل الصبا شيئاً وجمدوا عليه ، فلم يكن لهم ترقٍّ إلى شأو العلاء ومقامات العلماء والأولياء . وذلك ظاهر من أدلّة الشرع ؛ قال صلّى الله عليه ] وآله [ وسلّم : إنّ للقرآن ظاهراً وباطناً وحدّاً ومطلعاً . وقال عليّ رضي الله عنه - وأشار إلى صدره - إنّ هاهنا علوماً جمّة لو وجدتُ لها حملة . وقال الله تعالى : ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) ( العنكبوت : 43 ) . وقال صلّى الله عليه ] وآله [ وسلّم : إنّ من العلوم كهيئة العلم المكنون لا يعلمه إلاّ العالمون » [2] . ثمّ بيّن أنّ هذه الحقائق والأسرار إنّما تنكشف للراسخين في العلم بقدر غزارة علومهم وصفاء قلوبهم وتوفّر دواعيهم على التدبّر وتجرّدهم للطلب ، ويكون لكلّ واحد حدّ في الترقّي إلى درجة أعلى منه . فأمّا الاستيفاء فلا مطمع فيه ، ولو كان البحر مداداً والأشجار كلاماً ، فأسرار
[1] إحياء علوم الدِّين ، مصدر سابق : ج 1 ص 289 . [2] المصدر السابق : ج 1 ص 99 .