الطبيعة الإنسانيّة لكمالها ، فإنّ هذه الحقيقة الخارجيّة هي التي تقتضي حفظ الوجود والبقاء ، وهو يقتضي بدل ما يتحلّل من البدن ، وهو يقتضي الغذاء اللازم ، وهو يقتضي الريّ ، والريّ يقتضي الأمر بالسقي مثلاً . فتأويل قوله : « اسقني » هو ما عليه الطبيعة الخارجيّة الإنسانيّة من اقتضاء الكمال في وجوده وبقائه ، ولو تبدّلت هذه الحقيقة الخارجيّة إلى شيء آخر يباين الأوّل مثلاً لتبدّل الحكم الذي هو الأمر بالسقي إلى حكم آخر . ولعلّ من أوضح الأمثلة لذلك ما جاء في عدّة مواضع من قصّة يوسف عليه السلام : ( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) ( يوسف : 4 ) حيث جاء تأويلها في قوله تعالى : ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ) ( يوسف : 100 ) . فرجوع ما رآه من الرؤيا إلى سجود أبويه وإخوته له وإن كان رجوعاً ، لكنّه من قبيل رجوع المثال إلى الممثّل . وكذا قوله تعالى : ( وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ) ( يوسف : 43 ) . فجاء تأويلها في قوله : ( قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ) ( يوسف : 47 - 49 ) . وهذا هو التأويل الذي تعلّمه يوسف عليه السلام كما في قوله :