لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) ( الزخرف : 4 ) ، فهذا القرآن الذي بين أيدينا ، هو تنزيل لتلك الحقيقة الواقعيّة المحفوظة في أمّ الكتاب التي هي من أهمّ خصائصها هو عدم محدوديّتها بحدٍّ معيّن ولا بقدر معلوم ولا تنالها العقول والأفهام . وقد اقتضت العناية الإلهيّة بعباده تنزّل الحقيقة القرآنية على صورة كتاب مقروء بلباس عربيٍّ فصيح لعلّهم يعقلون ما لا تناله عقولهم في تلك المرتبة ، لأنّها حقيقة خارجة عن عالم اللّفظ والمفهوم . وهذا ما أشار إليه الطباطبائي في ذيل قوله تعالى : ( إنا أنزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون ) بقوله : « الضمير للكتاب ، و « قرآناً عربيّاً » أي مقرّراً باللغة العربيّة ، و « لعلّكم تعقلون » غاية الجعْل وغرضه ، وهذا يشهد بأنّه له مرحلة من الكينونة والوجود لا ينالها عقول الناس ، ومن شأن العقل أن ينال كلّ أمر فكريّ وإن بلغ من اللطافة والدقّة ما بلغ . فمفاد الآية أنّ الكتاب بحسب موطنه الذي له في نفسه أمرٌ وراء الفكر ، أجنبيّ عن العقول البشريّة ، وإنّما جعله الله قرآناً عربيّاً وألبسه هذا اللِّباس رجاء أن يستأنس به عقول الناس فيعقلوه » [1] . وهذا ما ذهب إليه جملة من الأعلام المعاصرين ، قال صاحب تفسير المنار ما نصّه : « فتبيّن من هذه الآيات أنّ لفظ التأويل لم يرد في القرآن إلاّ بمعنى الأمر العملي الذي يقع في المآل ، تصديقاً لخبر أو لرؤيا أو لعمل غامض يُقصد به شيء في المستقبل ، فيجب أن تفسّر آية « آل عمران » بذلك ، ولا يجوز أن يُحمل التأويل فيها في المعنى الذي اصطلح عليه قدماء المفسّرين ، وهو جعله بمعنى التفسير كما يقول ابن جرير الطبري ، وعلى ما اصطلح عليه متأخّروهم من جعل التأويل عبارة عن نقل الكلام عن
[1] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 18 ص 83 .