الكلام حكماً إنشائيّاً كالأمر والنهي ، فتأويله تحقّق المخبر به ، وإن كان الكلام خبريّاً ، فإن كان إخباراً عن الحوادث الماضية كان تأويله نفس الحادثة الواقعة في ظرف الماضي كالآيات المشتملة على أخبار الأنبياء والأمم الماضية ، فتأويلها نفس القضايا الواقعة في الماضي ، وإن كان إخباراً عن الحوادث والأمور الحاليّة والمستقبلة ، فهو على قسمين : فإمّا أن يكون المخبر به من الأمور التي تنالها الحواسّ أو تدركها العقول ، فتأويله أيضاً ما هو في الخارج من القضية الواقعة ، كقوله تعالى : ( غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ) ( الروم : 2 - 4 ) . وإن كان من الأمور المستقبلة الغيبيّة التي لا تنالها حواسّنا الدنيويّة ولا يدرك حقيقتها عقولنا ، كالأمور المرتبطة بيوم القيامة ووقت الساعة وحشر الأموات والجمع والسؤال والحساب وتطاير الكتب ، أو كان ممّا هو خارج عن سنخ الزمان وإدراك العقول كحقيقة صفات الله تعالى وأفعاله ، فتأويلها أيضاً نفس حقائقها الخارجيّة . وما يمكن أن يذكر كدليل لذلك ما تقدّم بيانه في الأبحاث السابقة ، من أنّ جميع الأشياء التي في عالمنا المشهود لها وجود عينيّ خاصّ بها في الخزائن الإلهيّة ، لقوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) ( الحجر : 21 ) . ومن الواضح أنّ قوله : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ ) يشمل كلّ ما يصدق عليه شيء ، فيكون القرآن الذي بأيدينا مشمولاً لعموم الآية أيضاً ، فيكون له وجود عينيّ خاصّ في مرتبة الخزائن الإلهيّة ، وهو حقيقته الواقعيّة العينيّة التي هي في عالم الغيب والملكوت . وهذا ما صرّحت به نصوص قرآنيّة عدّة كقوله : ( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ