والحاصل أنّ هذه المرتبة من الذنب وإن كانت تتنافى مع مكارم الأخلاق ، إلاّ أنّها ليست حراماً في الشريعة ، وبإزاء هذه المرتبة توجد مرتبة من المغفرة كما هو واضح . المرتبة الثالثة : الذنب في مجال الحبّ . وهذه المرتبة من الذنب لا تعدّ مخالفة لحكم شرعي ، كما لا تعدّ من الرذائل الأخلاقيّة ، وإنّما للحبّ لوازم تقتضي أن ينقاد المحبّ لمحبوبه تمام الانقياد ، فلا يلتفت إلاّ إليه ولا يغفل عنه . وهذا هو مقتضى أحكام الحبّ ، فإنّ المحبّ يرى - إذا تاه في الغرام واستغرق في الوله - أدنى غفلة قلبيّة عن محبوبه ذنباً عظيماً ، وإن اهتمّ بعمل الجوارح بتمام أركانه ، وليس إلاّ أنّه يرى أنّ قيمة أعماله في سبيل الحبّ على قدر توجّه نفسه وانجذاب قلبه إلى محبوبه ، فإذا انقطع عنه بغفلة قلبه فقد أعرض عن المحبوب وانقطع عن ذكره وأبطل طهارة قلبه بذلك . قال الإربلي في « كشف الغمّة » : « إنّ الأنبياء لمّا كانت قلوبهم مستغرقة بذكر الله ومتعلّقة بجلال الله ومتوجّهة إلى كمال الله ، وكانت أتمّ القلوب صفاءً وأكثرها ضياءً وأغرقها عرفاناً وأعرفها إذعاناً وأكملها إيقاناً ، كانوا إذا إنحطّوا عن تلك المرتبة العليّة ونزلوا عن تلك الدرجة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل والمشرب والتناكح والصحبة مع بني نوعهم وغير ذلك من المباحات ، أسرعت كدورة إليها ، لكمال رقّتها وفرط نورانيّتها ، فإنّ الشيء كلّما كان أرقّ وأنضر كان تأثّره بالكدورات أبين وأظهر ، فعدّوا ذلك ذنباً وخطيئةً فتابوا واستغفروا » [1] . وهذه المرتبة من الذنب وإن كان لا يعدّه الفهم العرفي من مراتب
[1] مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ، مصدر سابق : ج 11 ص 308 .