ولا شكّ أنّ التوبة التي تترتّب على هذه المرتبة من الذنب ، إنّما هي بالرجوع عن المعصية ، والندامة على ما مضى والعزم على عدم الإتيان فيما سيأتي . المرتبة الثانية : الذنب الأخلاقي : إنّ الأحكام العمليّة إذا عمل بها وروقبت وتحفّظ عليها ، ساقت المجتمع إلى أخلاق وأوصاف مناسبة لها ملائمة لمقاصد المجتمع التي هي غاية اجتماعهم . وهذه الأخلاق هي التي يسمّيها المجتمع بالفضائل الإنسانيّة ويحرص ويحرّض عليها ، وتقابلها الرذائل . وهي وإن كانت مختلفة باختلاف السنن والمقاصد في المجتمعات ، إلاّ أنّ أصل إنتاج الأحكام الاجتماعيّة لها ممّا لا سبيل إلى إنكاره . وهذه الأخلاق الفاضلة وإن كانت أوصافاً روحيّة لا ضامن لإجرائها في مقام العمل في المجتمعات ، وكانت غير اختياريّة بلا واسطة ، لكونها ملكات ، لكنّها لكونها في تحقّقها تتبع تكرّر العمل بالأحكام والقوانين المقرّرة في المجتمع أو تكرّر التخلّف عن العمل ، كانت نفس العمل بالأحكام ضامنة لإجرائها ، وتعدّ اختياريّة باختياريّة مقدّمتها وهي تكرّر العمل . وتتصوّر في مواردها أوامر عقليّة متعلّقة بالأخلاق الفاضلة كالشجاعة والعفّة والعدالة ، ونواهٍ عقليّة تردع عن الأخلاق الرذيلة كالجبن والتهوّر والخمود والظلم ، وكذا يتصوّر لها عقاب وثواب يسمّيان بالعقاب والثواب العقليّين كالمدح والذمّ . وبالجملة تتحقّق بذلك مرتبة من مراتب الذنب فوق المرتبة السابقة ، وهي مرتبة التخلّف عن الأحكام الخُلقيّة والأوامر العقليّة المتعلّقة بها .