الأسباب الظاهريّة ، فربما أصابوا في مقاصدهم وربما أخطأ بهم الطريق فلم يصيبوا ، فلو أنّهم كانوا يعلمون الغيب لا معنى لخيبة سعيهم أبداً ، إذ العاقل لا يسلك سبيلاً يعلم يقيناً أنّه يخفق فيه ولا يترك سبيلاً يعلم يقيناً أنّه سوف يُصيب فيه . والإشكال - كما هو واضح - مأخوذ من قوله تعالى ( وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ) ( الأعراف : 188 ) ، حيث إنّ العلم بالغيب يهدي الإنسان إلى كلّ خير ويجنّبه كلّ شرّ ، والعادة تأبى أن يعلم أحد الخير والشرّ ويهتدي إلى موقعهما ثمّ لا يستفيد من ذلك لنفسه ، فالإنسان إذا لم يستكثر من الخير ولم يوق من الشرّ كيف يعلم الغيب ؟ والشواهد الدالّة على هذه الحقيقة كثيرة جدّاً ، فإنّهم مع علمهم بما يصيبهم إلاّ أنّ ذلك لم يؤدّ بهم إلى تغيير ذلك المصير ، حيث أصيب النبيّ صلّى الله عليه وآله يوم أحُد ، وأُصيب الإمام عليّ عليه السلام في مسجد الكوفة وأودى بحياته ، واستشهد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء ، وهكذا في سائر الأئمّة عليهم السلام حيث سقوا السمّ كما في النصوص المعتبرة . فلو كانوا عليهم السلام يعلمون ما يجري عليهم لكان ذلك من أوضح مصاديق الإلقاء بالتهلكة التي نُهي عنها في قوله : ( لَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) ( البقرة : 195 ) . وهنا ينبغي الإلفات إلى أنّ هذه الاعتراضات على علم أهل البيت عليهم السلام بالغيب ، ليست هي حديثة عهد ، وإنّما كانت مطروحة في زمن الأئمّة عليهم السلام ، من قبل أصحابهم : عن الحسن بن الجهم قال : « قلت للرضا عليه السلام : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد عرف قاتله والليلة التي يُقتل فيها والموضع الذي يُقتل فيه ،