إذا اتّضحت هذه المقدّمة نقول : إنّ اسم « عالم الغيب » من الأسماء المختصّة بالله تعالى في الأدب الديني ، ولأجل أدب العبوديّة لا يطلق - بنحو التسمية - على غير الباري تعالى وإن اتّصف به ، وهذا المعنى نلمسه واضحاً في روايات أهل البيت عليهم السلام حيث إنّهم يرفضون تسميتهم بهذا الاسم كما في أسماء أخرى كالخالق والرازق اقتضاءً لأدب العبوديّة ، ولهذا لم يسمّ القرآن الكريم الرسول صلّى الله عليه وآله بالعالم بالغيب ، بخلاف العبوديّة والرسالة والنبوّة . من هنا لم يعبّر القرآن الكريم بأنّ الحقّ مع ربّك ، لأنّه تعبير يوحي إلى وجود شيء آخر مع الله تعالى وهو الحقّ ، وهو نحو من الشرك ، لأنّه كان ولم يكن معه شيء ، وإنّما عبّر ( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ) ( آل عمران : 60 ) ؛ لذا قال الطباطبائي : « إنّ هذا من أبدع البيانات القرآنيّة حيث قيّد الحقّ ب - « من » الدالّة على الابتداء ، دون غيره بأن يقال : ( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ) لما فيه من شائبة الشرك » [1] . وبهذا يتّضح السبب في أنّهم عليهم السلام في الوقت الذي ينفون علم الغيب عن أنفسهم ، يقولون إنّه وراثة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أو رواية عنه ، أو علم علّمنيه حبيبي رسول الله ، ونحو ذلك . ومن الواضح أنّ ذلك تعبير آخر عن العلم بالغيب . وهذا معناه أنّهم عليهم السلام يرفضون تسميتهم بالعالمين بالغيب لا نفي توصيفهم بذلك . ولعلّ من أوضح الشواهد على ذلك ، ما ورد في هذا النصّ عن عليّ أمير المؤمنين عليه السلام عندما أخبر عن بعض المغيبات ، فقال له بعض أصحابه : لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب ! فضحك عليه السلام
[1] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 3 ص 213 .