المناقشة الثالثة : عند التأمّل في دلالة هذه النصوص نجد أنّها تنطوي على معنى ذات أهمّية كبيرة على صعيد أدب عبوديّة أهل البيت عليهم السلام لله تعالى ، ولأجل بيان هذا المعنى ينبغي تقديم مقدّمة تساهم في الوصول إلى المطلوب وتحول دون الوقوع في الالتباس . توضيحها : أنّ الصفات التي يتّصف الله بها على نحوين : الأوّل : أنّ هناك مجموعة من الصفات أشار القرآن إلى اتّصافه سبحانه بها ، من قبيل المكر ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) ( آل عمران : 54 ) ، والزرع ( أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ) ( الواقعة : 64 ) ، إلاّ أنّه على الرغم من ذلك لا تطلق على الله - بنحو التسمية - اسم الماكر أو اسم الزارع كما يطلق عليه اسم العالم والقادر والخالق ، لأنّ الذهن العرفيّ يرى أنّ مثل هذه الألفاظ تشعر وتوحي بالنقص والحاجة . الثاني : الصفات التي تتضمّن في أحشائها معنى الاستقلاليّة والربوبيّة ، من هنا يرى الذهن العرفي أنّها مختصّة بالله تعالى من قبيل الخالقية والرازقية والإحياء والإماتة ونحوها ، وهذه الصفات وإن أمكن أن يتّصف بها غيره تعالى لكن بإفاضة وإذن منه سبحانه ؛ لقوله : ( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) ( المؤمنون : 14 ) الذي يفيد تعدّد الخالقين ، وقوله : ( وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) ( الجمعة : 11 ) ، وقوله : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) ( السجدة : 11 ) ، إلاّ أنّه لا يسمّى بها غيره لأنّها أسماء مختصّة به تعالى ، وذلك للإيحاء بأنّها مرتبطة بمقام الربوبيّة والألوهيّة . وعلى هذا فاقتضاءً لأدب العبوديّة لله تعالى لا تطلق هذه الصفات بنحو التسمية على غير الله سبحانه ، وإن اتّصف الغير بها بإعطاء وإفاضة منه سبحانه .