الواقع ، وقد نزلت الآيات حين غلب سابور ملك الفرس على بلاد الشام وما والاها من بلاد الجزيرة وأقاصي بلاد الروم ، فاضطرّ هرقل ملك الروم حتّى ألجأه إلى القسطنطينيّة وحاصره فيها مدّة طويلة ، ثمّ عادت الدولة لهرقل . فبعد نزول سورة الروم سنة 622 م ببضع سنين ( في سنة 627 م ) أحرز هرقل أوّل نصر حاسم للروم على الفرس في نينوى على نهر دجلة ، وانسحب الفرس لذلك من حصارهم للقسطنطينيّة ، ولقي كسرى ابرويز مصرعه سنة 628 م على يد ولده » [1] . وقال تعالى : ( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ) ( الفتح : 27 ) ، فقد أخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله المسلمين بأنّهم سوف يفتحون مكّة في المستقبل وقد وقع ذلك فعلاً ، ومن الواضح أنّ ذلك إخبار عن الغيب أطلع الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وآله من خلال الرؤيا . وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) ( القصص : 85 ) . أشارت الآية إلى أنّ الذي « فرض عليك القرآن لتقرأه على الناس وتبلّغه ولتعملوا به ، سيردّك ويصيّرك إلى محلّ لكون هذه الصيرورة منك إليه عوداً ويكون هو معاداً لك . ومن المعلوم أنّه صلّى الله عليه وآله كان بمكّة على ما فيها من الشدّة والفتنة ، ثمّ هاجر منها ثمّ عاد إليها فاتحاً مظفّراً
[1] التفسير المبين في العقيدة والشريعة والمنهج ، الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي ، رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه في جامعة دمشق ، دار الفكر المعاصر ، بيروت - لبنان ، دار الفكر ، دمشق - سورية ، الطبعة الأولى ، 1411 ه : ج 21 ص 49 .