وثبتت قواعد دينه واستحكمت أركان دولته » [1] . ومن الواضح أنّ ذلك إخبار عن الغيب وقد وقع كما أخبر . كذا ما ورد في شأن النبي عيسى ؛ قال تعالى على لسانه : ( وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ) ( آل عمران : 49 ) ، فإخباره عليه السلام ما يدّخرون في بيوتهم وما يأكلون من أوضح مصاديق الإخبار عن الغيب . وقوله تعالى : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) ( القصص : 7 ) ، حيث دلّت على اطلاع أمّ موسى على الغيب ، وليست هي من الأنبياء والأوصياء . وكذلك تحدّث القرآن الكريم في آيات كثيرة عن قصص الأنبياء السابقين وأخبار أممهم ، وهو من أوضح مصاديق الإخبار بالغيب . قال تعالى : ( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ) ( هود : 49 ) . وقوله بعد قصّة يوسف : ( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ) ( يوسف : 102 ) . وقوله تعالى في قصّة مريم : ( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) ( آل عمران : 44 ) . تحصّل ممّا سبق أنّ الآيات القرآنيّة تبيّن من جهة اختصاص العلم بالغيب بالله عزّ اسمه كما في الصنف الأوّل ، لكنّها من جهة أخرى تعمّمها لغيره تعالى كما في الصنف الثاني . من هنا يطرح هذا التساؤل : كيف يمكن
[1] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 16 ص 87 .