يؤمن به ومن يكفر ، ونحن معه ولا يعرفنا فأنزل الله تعالى هذه الآية » [1] . وقال الطباطبائي : « لمّا أمكن أن يتوهّم أنّ هناك طريقاً آخر إلى تمييز الخبيث من الطيّب ، وهو أن يطلعهم على الخبثاء حتّى يتميّزوا منهم ، فلا يقاسوا جميع هذه المحن والبلايا التي يقاسونها بسبب اختلاط المنافقين والذين في قلوبهم مرض بهم ، فدفع هذا الوهم بأنّ علم الغيب بما استأثر الله به نفسه فلا يطلع عليه أحداً إلاّ من اجتبى من رسله ، فإنّه ربما أطلعه عليه بالوحي » [2] . وقال تعالى : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) ( الجن : 26 ، 27 ) . قال القرطبي : « لمّا تمدّح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه ، كان فيه دليل على أنّه لا يعلم الغيب أحدٌ سواه ، ثمّ استثنى من ارتضاه من الرُّسل ، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم ، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوّتهم » [3] . وقال ابن عاشور التونسي : « وإضافة صفة عالم إلى الغيب تفيد العلم بكلّ الحقائق المغيّبة سواء كانت ماهيّات أو أفراداً ، فيشمل المعنى المصدري للغيب مثل علم الله بذاته وصفاته ، ويشمل الأمور الغائبة بذاتها مثل الملائكة والجنّ ، ويشمل الذرّات المغيّبة عن علم الناس مثل الوقائع المستقبلة التي يخبر عنها أو التي لا يخبر عنها ، فإيثار المصدر هنا لأنّه أشمل لإحاطة علم الله بجميع ذلك . وفرّع على معنى تخصيص الله تعالى بعلم الغيب جملة ( فَلَا يُظْهِرُ عَلَى
[1] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، مصدر سابق : ج 4 ص 137 . [2] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 4 ص 79 . [3] الجامع لأحكام القرآن ، لأبي عبد الله محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي ، المتوفّى 671 ه - ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1967 : ج 19 ص 28 .