في مقابل هذه النصوص هناك نصوص قرآنية أخرى أثبتت أنّ بعض عباده مستثنى من ذلك : قال تعالى : ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ) ( آل عمران : 179 ) ، وهي واضحة الدلالة على أنّ بعض عباده يطلعهم الله على الغيب . وفي التعبير بالاجتباء إشارة إلى أنّ الوقوف على أسرار الغيب منصبٌ جليل تتقاصر عنه الهمم ولا يؤتيه الله إلاّ لمن اصطفاه من عباده . قال المراغي في ذيل هذه الآية : « أي لم يكن من شأنه تعالى أن يطلع عامّة الناس على الغيب ، إذ لو فعل ذلك لأخرج الإنسان من طبيعته ، فإنّه تعالى خلقه يحصّل رغائبه ويدفع المكاره عنه بالعمل الكسبي الذي تهدي إليه الفطرة وترشد إليه النبوّة . ولكن يختار من رسله من يشاء فيطلعه على ما في قلوب المنافقين من كفر ونفاق وعلى ما ظهر من أقوال وأفعال » [1] . وقال الآلوسي : « إنّ حاصل المعنى : ليس لكم رتبة الاطّلاع على الغيب وإنّما لكم رتبة العلم الاستدلالي الحاصل من نصب العلامات والأدلّة ، والله تعالى سيمنحكم بذلك فلا تطمعوا في غيره ، فإنّ رتبة الاطّلاع على الغيب لمن شاء من رسله ، وأين أنتم من أولئك المصطفين الأخيار ؟ ! ونقل الواحدي عن السدي أنّ رسول الله صلّى الله عليه ] وآله [ وسلّم قال : « عُرضت عليَّ أمّتي في صورها كما عُرضت على آدم وأعلمت من يؤمن بي ومن يكفر . فبلغ ذلك المنافقين فاستهزءوا وقالوا : يزعم محمّد أنّه يعلم من
[1] تفسير المراغي ، تأليف : أحمد مصطفى المراغي ، دار الفكر ، الطبعة الأولى ، 1421 ه : ج 2 ص 82 .