وحدتها وتشخّصها واجدة لجميع هذه القوى ، وهذا ما أشار إليه المتأخّرون من الحكماء في علم النفس الفلسفي من أنّ النفس في وحدتها كلّ القوى . قال المازندراني : « اعلم كما أنّ الروح أي النفس الناطقة تسمّى مطمئنة ولوّامة وأمّارة بالسوء باعتبارات مختلفة ، كذلك تسمّى روح المدرج باعتبار أنّها مصدر للذهاب والمجيء وسبب للحركة في الحوائج ، وتسمّى روح الشهوة باعتبار أنّها مع القوّة الشهويّة تشتهي طاعة الله والإتيان بالحلال من النساء وغير ذلك ، وتسمّى روح القوّة باعتبار أنّها تقدّر بسبب القدرة المعدّة لها على الإتيان بما تشتهيه ، وتسمّى روح الإيمان باعتبار أنّ الإيمان والعدل والخوف من الله يتحقّق بها ، وتسمّى روح القدس باعتبار اتّصافها بالقوّة القدسيّة التي تتجلّى فيها لوايح الغيب وأسرار الملكوت المختصّة بالأنبياء والأوصياء ، وهم بسببها عرفوا الأشياء كلّها كما هي وصاروا من أهل التعليم والإرشاد . وإنّما سمّيت هذه القوّة « روحاً » لأنّها مبدأ كلّ فيض وراحة وحياة حقيقة ، فهي الروح التي بها قوام حقيقة النبوّة . وكلّ واحدة من هذه الأرواح فيهم على غاية الكمال والسداد ، وأمّا الموجودة في أصحاب الميمنة وهي ما سوى الأخيرة ، فالغالب فيها السداد والاستقامة . . . » [1] . وهذه القوّة التي اختصّ بها الأنبياء والأولياء هي المصطلح عليها بالقوّة القدسيّة في كلمات الحكماء والعرفاء ؛ قال الفارابي في فصوص الحكم : « الروح القدسيّة لا تشغلها جهة تحت عن جهة فوق ، ولا يستغرق حسّها الظاهر حسّها الباطن ، ويتعدّى تأثيرها عن بدنها إلى أجسام العالم وما فيه ، وتقبل المعقولات من الروح الملكيّة بلا تعليم من الناس » [2] .
[1] شرح أصول الكافي والروضة ، مصدر سابق : ج 6 ص 62 . [2] نصوص الحكم في شرح فصوص الحكم ، آية الله حسن حسن زادة آملي : النصّ رقم 51 ، ص 302 .