والسبب في تسمية عالم المجرّدات بعالم الأمر ، مع أنّ الجسمانيّات أيضاً بأمر الله تعالى ، فهو لأنّ حدوث الجسمانيّات إنّما هو بعد استعداد الموادّ بأسباب معدّة هي في الظاهر علل وجودها كالحرارة لذوبان الجسم ونور الشمس لنموّ النبات ، فينسب في الظاهر إلى تلك الأسباب المعدّة ، وأمّا عالم المجرّدات فليس ما فيه لسبب ظاهر يعدّ له ، فينسب إلى أمر الله محضاً ، والروح من أمر الله إذ ليس له سبب جسماني ظاهر ، وإلاّ فالحقيقة أنّ كلّ شيء بأمر الله تعالى . وهذا معنى ما ذكره الطباطبائي في ذيل هذه الآية حيث بيّن أنّ لكلّ شيء نحوين من الارتباط به تعالى : « الأوّل : من جهة نسبته إليه تعالى مع إلغاء الأسباب الوجوديّة الأخر ، وهي المشار إليها بقوله : ( وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) ( القمر : 50 ) ، حيث شبّه أمره بلمح بالبصر ، وهذا النوع من التشبيه لنفي التدريج ، وبه يعلم أنّ في الأشياء المكوّنة تدريجاً الحاصلة بتوسّط الأسباب الكونيّة المنطبقة على الزمان والمكان جهة معرّاة عن التدريج خارجة عن حيطة الزمان والمكان ، هي من تلك الجهة أمره تعالى . الثاني : الجهة التي هي بها تدريجيّة مرتبطة بالأسباب الكونيّة ، منطبقة على الزمان والمكان ، فهي بها من الخلق ، قال تعالى : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) ( الأعراف : 54 ) ، فالأمر هو وجود الشيء من جهة استناده إليه تعالى وحده ، والخلق هو ذلك من جهة استناده إليه مع توسّط الأسباب الكونيّة فيه » [1] . الثاني : أنّ الروح أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كما نصّت على ذلك مجموعة من النصوص الواردة في هذا المجال كما ستأتي الإشارة .
[1] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 13 ص 197 .