يسمع صوته ولا يرى شخصه . والثالث : إرسال الملك كالغالب من حال نبيّنا صلّى الله عليه ] وآله [ وسلّم وهو حال كثير من الأنبياء عليهم السلام ، وهو المراد بقوله : ( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا ) أي ملكاً ( فَيُوحِيَ ( ذلك الرسول إلى المرسل إليه الذي هو الرسول البشري ( بِإِذْنِهِ ( أي بأمره تعالى ( مَا يَشَاءُ ( أن يوحيه . وهذا يدلّ على أنّ المراد من الأوّل الوحي من الله بلا واسطة ; لأنّ إرسال الرسول جعل فيه إيحاء ذلك الرسول » [1] . وقال الطباطبائي : « إنّ ظاهر الترديد في الآية ب ( أو ) هو التقسيم ، وهو يدلّ على مغايرة بين الأقسام ، وقد قُيّد القسمان الأخيران بقيد كالحجاب والرسول الذي يوحي إلى النبيّ ، ولم يقيَّد القسم الأوّل بشيء ، فظاهر المقابلة يفيد أنّ المراد به التكليم الخفيّ من دون أن يتوسّط واسطة بينه تعالى وبين النبيّ أصلاً ، وأمّا القسمان الآخران ففيهما قيد زائد وهو الحجاب أو الرسول الموحي ، وكلّ منهما واسطة غير أنّ الفارق أنّ الواسطة الذي هو الرسول يوحي إلى النبيّ بنفسه والحجاب واسطة ليس بموحٍ وإنّما الوحي من ورائه . فتحصّل أنّ القسم الثالث ( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ) وحي بتوسّط الرسول الذي هو ملك الوحي ، فيوحي ذلك الملك بإذن الله ما يشاء الله سبحانه ؛ قال تعالى : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ ) ( الشعراء : 193 - 194 ) ، وقال : ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) ( البقرة : 97 ) ، والموحي مع ذلك هو الله سبحانه كما قال : ( بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ ) ( يوسف : 3 ) .
[1] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، مصدر سابق : ج 25 ص 54 .