قال صدر المتألّهين : « اعلم أنّ العلم بالأشياء الجزئيّة على وجهين : أحدهما : أن تعلم الأشياء من الأشياء بحسّ أو تجربة أو سماع أو خبر أو شهادة أو اجتهاد ، ومثل هذا العلم لا يكون إلاّ متغيّراً فاسداً محصوراً متناهياً غير محيط ، فإنّه يلزم أن يعلم في زمان وجودها علماً وقبل وجودها علماً آخر ثمّ بعده علماً آخر . فإذا سئل العالم بهذا العلم عن حادث ما كالكسوف مثلاً حين وجوده ، يُجيب بجواب فيقول مثلاً : انكسف الشمس . وإذا سُئل عنه قبل حدوثه ، يُجيب بجواب آخر فيقول : سيكون الكسوف . ثمّ إذا سُئِلَ بعد فيقول : قد كان الكسوف . فعلمه بشيء واحد تارةً كان وتارةً كائن وتارةً سيكون ، فيتغيّر علمه . ومثل هذا العلم الانفعالي متغيّر فاسد ليس بيقين ، إذ العلم اليقيني ما لا يتغيّر أصلاً . وثانيهما : أن لا يعلم الأشياء من الأشياء ، بل بمباديها وأسبابها ، فيعلم أوائل الوجود وثوانيها وهكذا إلى أن ينتهي إلى الجزئيّات علماً واحداً وعقلاً بسيطاً محيطاً بكليّات الأشياء وجزئيّاتها على وجه عقليّ غير متغيّر . فمن عرف المبدأ الأوّل بصفاته اللازمة وعرف أنّه مبدأ كلّ وجود وفاعل كلّ فيض وجود ، عرف أوائل الموجودات عنه وما يتولّد عنها على الترتيب السببي والمسبّبي ، كما يتولّد العدد من الواحد على الترتيب . وهذا النحو من العلم إنّما يحصل لإنسان فارقت نفسه الأوطان والموادّ والتعلّقات وهاجر إلى الله تعالى . فإذا ارتقى إلى عالم الربوبيّة وأفاض عليه من نوره ، صار عقله للأشياء عقلاً بسيطاً يعقل الأشياء بعلم الله الفائض عليه ، فيكون مدركاً للأمور الجزئيّة من حيث هي كلّية ومن حيث لا كثرة ولا تغيّر فيها . والحاصل : من عرف كيفيّة علم الله تعالى وعلم مقرّبيه من الملائكة بالأشياء الجزئيّة الكائنة الفاسدة المتعاقبة في الكون علماً كليّاً ثابتاً دائماً من