الكلام في بيان حقيقة اليقين القرآني وأنّه لا يحصل إلاّ من خلال مسّ ومشاهدة حقائق وملكوت العالم ، كالذي يقع في النار ويحترق فيها ، فعلمه بالنار من خلال مسّه لحقيقة النار . قال الآلوسي : « المطهّرون هم المنزّهون عن كدر الطبيعة ودنس الحظوظ النفسيّة ، وقيل : عن كدر الأجسام ودنس الهيولى ، والطهارة عليهما طهارة معنويّة ، ونفي مسّه كنايةً عن لازمه وهو نوع الاطّلاع عليه وعلى ما فيه » [1] . من هنا لا يكون مفاد « لا » في قوله « لا يمسّه » النهي عن مسّ الكتاب إلاّ عن طهارة ; لأنّ لازمه أن تكون الطهارة منحصرة بالمادّية فقط ، بمعنى أنّ الإنسان إذا لم يكن متطهّراً من الخبث والحدث لا يجوز له مسّ القرآن ولمسه . وإنّما تكون « لا » نافية وليست ناهية ، ومن ثمّ تكون الآية بصدد الإخبار - معنىً كما هو لفظاً - عن هذه الحقيقة ، وهي أنّ الذي يقف ويشاهد الكتاب المكنون هم المطهّرون فقط ، الواجدون لجميع مراتب الطهارة بما فيها الطهارة القلبيّة . قال الرازي : « لا يمسّه ، الضمير عائد إلى الكتاب المكنون على الصحيح ، ويحتمل أن يُقال هو عائد إلى ما عاد إليه المضمر من قوله ( إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ ( ومعناه : لا يمسّ القرآن إلاّ المطهّرون . والصيغة إخبار ، لكن الخلاف في أنّه هل هو بمعنى النهي ؟ فمن قال المراد من الكتاب « اللوح المحفوظ » وهو الأصحّ على ما بيّنا ، قال : هو إخبار معنىً كما هو إخبار لفظاً ، إذا قلنا إنّ المضمر في « يمسّه » للكتاب » [2] .
[1] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، الآلوسي ، مصدر سابق : ج 27 ، ص 154 . [2] التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب ، مصدر سابق : ج 29 ص 168 .