والمعنويّة بمراتبها المختلفة بما فيها الطهارة القلبيّة ، نتساءل عن الدليل الذي يشترط تحقّق الطهارة المعنويّة بمراتبها لرؤية ملكوت وباطن الأشياء . لعلّ أوضح النصوص القرآنيّة التي تتضمّن الدلالة على شرطيّة الطهارة في الرؤية والمشاهدة القلبيّة هو قوله تعالى : ( إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) ( الواقعة : 77 - 79 ) . توضيحه : تقدّم أنّ المراد من « المكنون » هو المحفوظ والمصون عن التغيير والتبديل ، وهذا الكتاب هو باطن وملكوت القرآن الكريم الذي فيه تبيان كلّ شيء . واتّضح أيضاً أنّ من خصائص هذا الكتاب أنّه لا يمكن أن ينال من خلال العقل والفكر والمفاهيم ، وإنّما تنحصر المعرفة به من خلال المشاهدة القلبيّة . أمّا قوله تعالى : ( لا يمسه ) ففيه احتمالان : الأوّل : أن يرجع الضمير إلى القرآن في قوله : ( لَا يَمَسُّهُ ) الثاني : عود الضمير إلى الكتاب المكنون في قوله : ( إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ ) . ومقتضى قواعد اللّغة العربيّة عود الضمير إلى أقرب المراجع إلاّ إذا دلّت قرينة على خلاف ذلك أو وجد مانع عقليّ يمنع من إرجاع الضمير إلى الأقرب ، وحيث إنّه لا قرينة على الخلاف ولا مانع عقليّ لذلك ، إذن لا بدّ أن يرجع الضمير إلى الكتاب المكنون . في ضوء هذه الحقيقة تدلّ الآية على أنّ الكتاب المكنون لا يمسّه أحد إلاّ المطهّرون ; أي لا يعلمه علماً حضوريّاً شهوديّاً إلاّ المطهّرون ، ولعلّنا لا نجانب الصواب إذا ما قلنا إنّ السبب في تعبير القرآن ( لَا يَمَسُّهُ ) بدلاً عن التعبير ب « لا يعلمه » لأجل أن لا ينصرف الذهن إلى العلم المتعارف الذي يمكن تحصيله من خلال العلم الحصولي بالمفاهيم والألفاظ . وقد تقدّم