نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ) ، فإنّ المراد بهذا النور العلم الذي يهتدي به الإنسان إلى الحقّ في الاعتقاد والعمل معاً . وكما أنّ له من العلم والإدراك ما ليس لغيره ، كذلك له من موهبة القدرة على إحياء الحقّ وإماطة الباطل ما ليس لغيره . وهذا العلم والقدرة الحديثان يمهّدان له أن يرى الأشياء على ما هي عليها فيقسمها قسمين : حقّ باقٍ وباطل فانٍ ، فيعرض بقلبه عن الباطل الفاني الذي هو الحياة الدُّنيا بزخارفها الغارّة الفتّانة ، ويعتزّ بعزّة الله ، فلا يستذلّه الشيطان بوساوسه ولا النفس بأهوائها وهوساتها ولا الدُّنيا بزهوتها لما يشاهد من بطلان أمتعتها وفناء نعمتها . وليست هذه الحياة الجديدة المختصّة بمنفصلة عن الحياة القديمة المشتركة وإن كانت غيرها ، فإنّما الاختلاف بالمراتب لا بالعدد ، فلا يتعدّد بها الإنسان ، كما أنّ الروح القدسيّة التي يذكرها الله سبحانه للأنبياء لا توجب لهم إلاّ ارتفاع الدرجة دون تعدّد الشخصيّة » [1] . وهذه الحقيقة سجّلها عليّ أمير المؤمنين عليه السلام بقوله : « وآخر قد تسمّى عالماً وليس به ، فاقتبسَ جهائل من جهّال ، وأضاليل من ضلاّل ، ونصَب للناس شركاً من حبائل غرور وقول زور » . إلى أن يقول عليه السلام : « فالصورة صورة إنسان ، والقلب قلب حيوان ، لا يعرف باب الهدى فيتّبعه ولا باب العمى فيصدّ عنه ، وذلك ميّت الأحياء » [2] . وهناك آيات أخرى تشير إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ العمى كما قد يصيب العين الظاهريّة فإنّه قد يصيب عين القلب التي هي البصيرة كقوله
[1] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 12 ص 342 . [2] نهج البلاغة ، مصدر سابق : الخطبة 87 - في بيان صفات المتّقين وصفات الفسّاق .