الظلمات .
وعلى هذا فالآية ترمي إلى القول بأنّ الإنسان الكافر يعيش في ظلمات ، لكن ليست الظلمات المادّية الظاهريّة ، لأنّ الكافر في هذه الدُّنيا يستفيد وينتفع من هذه الأنوار المادّية كما هو واضح ، إذن المراد بالظلمات التي يعيش فيها الإنسان الكافر هي ظلمات الباطن ، أمّا الإنسان المؤمن الذي فتح الله بصيرته وقلبه ، فهو يتمتّع بالنور الباطني المعنوي ، وهي الحياة التي يريدها القرآن الكريم للإنسان في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) ( الأنفال : 24 ) ; أي الحياة المعنويّة الباطنيّة لا الحياة الحيوانيّة التي يشترك فيها مع الأنعام .
وعلى هذا فقد يكون الإنسان حيّاً بالحياة الحيوانيّة إلاّ أنّه ميّت من جهة الحياة المعنويّة الباطنيّة . وهذا ما أشار إليه قوله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( النحل : 97 ) ، وهي دالّة على أنّ الله سبحانه يكرم المؤمن الذي يعمل صالحاً بحياة جديدة غير ما يشاركه سائر الناس من الحياة العامّة ، وليس المراد تغيير صفة الحياة فيه وتبديل الخبيثة من الطيّبة مع بقاء أصل الحياة على ما كانت عليه ، ولو كان كذلك لقيل : فلنطيّبن حياته . فالآية نظيرة لقوله تعالى : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ) ( الأنعام : 122 ) ، وتفيد ما يفيده من تكوين حياة جديدة غير الحياة السابقة .
وليس ذلك « من التسمية المجازيّة لأنّ الآيات المتعرّضة لهذا الشأن ترتّب عليها آثار الحياة الحقيقيّة كقوله : ( أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) ( المجادلة : 22 ) ، وكقوله في الآية السابقة : ( وَجَعَلْنَا لَهُ

187