الكذب وإن كان بحسب الاستعمال الغالب لا يُطلق إلاّ في مورد يكون خلاف الصدق بحسب القول والحديث الذي يلفظه اللسان ، إلاّ أنّه - في الواقع - قد يُطلق ويُراد منه أيضاً مطلق خطأ القوّة المدركة ، سواء كان ذلك باللِّسان أو بغيره . والمراد من الرؤية هنا هي مشاهدة العيان ، ولا بدع في نسبة هذه الرؤية إلى الفؤاد لما مرّ أنّ للإنسان نوعاً من الإدراك الشهودي وراء الإدراك بإحدى الحواسّ الظاهرة والتخيّل والتفكّر بالقوى الباطنة ، كما أنّنا نشاهد من أنفسنا أنّنا نرى ، وليست هذه المشاهدة العيانيّة إبصاراً بالبصر ولا معلوماً بفكر . قوله تعالى : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ) ( طه : 124 - 126 ) ، وهو واضح الدلالة في نسبة الذِّكر إلى القلب لا إلى العين الظاهريّة ، لأنّ الذِّكر والغفلة ليسا من وظائف العين الظاهريّة ، وإنّما وظيفتها الرؤية البصريّة . وعلى هذا فهي تشير إلى أنّ القلب الذاكر هو القلب البصير ، أمّا القلب الغافل فهو قلبٌ أعمى . وممّا يشهد لذلك قوله تعالى : ( لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ) ، فلو كان المراد بالعمى هو عمى العين الظاهريّة لكان من المناسب أن يكون التعبير في الجواب : « أتتك آياتنا ولم ترها » وليس التعبير ب ( أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ) لأنّ النسيان لا يصحّ أن يُنسب إلى العين الظاهريّة إلاّ على وجه بعيد . قال الآملي في ذيل هذه الآيات : « ومعلوم أنّ بين الذِّكر والعين الباصرة ليست مناسبة بوجه من الوجوه ، فالمراد بهما العين القلبيّة ، وبالذِّكر المعرفة الحاصلة من المشاهدة كشفاً وشهوداً ، وذلك لأنّ الإعراض عن ذكر الله لا يمكن بالعين الباصرة لعدم المناسبة ، وكذلك النسيان المنسوب إليها ، فإنّ