الثالثة : الهداية إلى الحقّ وبيان الواقعة بإشهاد الحقيقة والعلّة التي تترشّح منه الحادثة . وبعبارة أخرى : بإراءة السبب والمسبّب معاً ، وهذا هو أقوى مراتب الهداية والبيان وأعلاها وأسناها » [1] . وهذا ما أشار إليه المحقّق الطوسي بقوله : « إنّ مراتب المعرفة بالله تعرف بملاحظة مراتب معرفة النار مثلاً ، فإنّ لمعرفتها مراتب : أدناها معرفة من سمع أنّ في الوجود شيئاً يعدم كلّ شيء يلاقيه ويظهر أثره في كلّ شيء يُحاذيه ، ويسمّى ذلك الموجود ناراً ، ونظير هذه المرتبة في معرفة الله معرفة المقلّدين الذين صدّقوا بالدِّين من غير وقوف على الحجّة . وأعلى منها مرتبة معرفة من وصل إليه دخان النار وعلم أنّه لا بدّ له من مؤثّر ، فحكم بذات لها أثر هو الدخان ، ونظير هذه المعرفة في معرفة الله معرفة أهل النظر والاستدلال الذين حكموا بالبراهين القاطعة على وجود الصانع . وأعلى منها مرتبة معرفة من أحسّ بالنار بسبب مجاورتها ، وشاهد الموجودات بنورها وانتفع بذلك الأثر . ونظير هذه المرتبة في معرفة الله معرفة المؤمنين المخلصين الذين اطمأنّت قلوبهم بالله وتيقّنوا أنّ الله نور السماوات والأرض كما وصف به نفسه . وأعلى منها مرتبةً معرفة من احترق بالنار بكليّته وتلاشى فيها بجملته . ونظير هذه المرتبة في معرفة الله معرفة أهل الشهود والفناء في الله ، وهي الدرجة العليا والمرتبة القصوى ، رزقنا الله الوصول إليها والوقوف عليها بمنّه وكرمه . . . » [2] .
[1] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 2 ص 359 . [2] نقلاً عن اللمعة البيضاء ، للتبريزي الأنصاري ، تحقيق : هاشم الأنصاري ، الطبعة الأولى : 1418 ، مؤسّسة الهادي ، قم : ص 442 .