حقيقة ، فما حقيقة يقينك ؟ فقال : إنّ يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ هواجري ، فعزفت نفسي عن الدُّنيا وما فيها ، حتّى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي وقد نصب للحساب وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم ، وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة ويتعارفون وعلى الأرائك متّكئون ، وكأنّي أنظر إلى أهل النار وهم فيها مُعذَّبون مصطرخون وكأنّي الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي . فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله لأصحابه : هذا عبدٌ نوّر الله قلبه بالإيمان ، ثمّ قال له : الزم ما أنت عليه . فقال الشابّ : ادعُ الله لي يا رسول الله أن أُرزق الشهادة معك . فدعا له رسول الله صلّى الله عليه وآله فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبيّ صلّى الله عليه وآله فاستُشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر » [1] . قال المازندراني في ذيل هذا الحديث : « وينبغي أن يعلم أنّ السالك العارف الموقن الزاهد وإن كان في الدُّنيا بجسده ، فهو في مشاهدة بعين بصيرته لأحوال الجنّة ودرجاتها وسعاداتها وأهلها ، وأحوال النار ودركاتها وشقاوتها وأهلها ، كالذين شاهدوا الجنّة بعين حسّهم وتنعّم أهلها وكالذين شاهدوا النار وعذاب أهلها ، وهي مرتبة عين اليقين أو حقّ اليقين أو مرتبة علم اليقين على احتمال بعيد . والحقّ أنّ الجواب بمرتبة عين اليقين أنسب ، فقال رسول الله صلّى الله
[1] الأصول من الكافي ، مصدر سابق : ج 2 ص 53 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب حقيقة الإيمان واليقين ، الحديث : 2 .