المفاهيم والتأويلات الذهنيّة ، والاختلاف بينهما ناجم عن نظرتهما لحقيقة القرآن » [1] ، وكونه له مرتبة وجوديّة واحدة أو أكثر كما هو مقتضى ما تقدّم في قوله تعالى إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) ( الزخرف : 3 - 4 ) . وقد اختار جملة من الأعلام الاتّجاه الثاني . قال القنوجي في أبجد العلوم : « ومن جملة ما علم من الشرائع أنّ مراد الله سبحانه من القرآن لا ينحصر في هذا القدر ؛ لما قد ثبت في الأحاديث أنّ لكلّ آية ظهراً وبطناً . وذلك المراد الآخر لما لم يطّلع عليه كلّ أحد ، بل من أُعطي فهماً وعلماً من لدنه تعالى ، يكون الضابط في صحّته أن لا يرفع ظاهر المعاني المنفهمة عن الألفاظ بالقوانين العربيّة وأن لا يخالف القواعد الشرعيّة ولا يباين إعجاز القرآن ولا يناقض النصوص الواقعة فيها ، فإن وجد فيه هذه الشرائط فلا يطعن فيه وإلاّ . . . » [2] . أمّا الغزالي فبعد أن ذكر : « أنّ كشف الحقائق ومعرفة الأشياء على ما هي عليه وإدراك الأسرار التي يترجمها ظاهر ألفاظ هذه العقيدة ، لا مفتاح لها إلاّ المجاهدة وقمع الشهوات والإقبال بالكلّية على الله تعالى وملازمة الفكر الصافي عن شوائب المجادلات ، وهي رحمةٌ من الله عزّ وجلّ تفيض على من يتعرّض لنفحاتها بقدر الرزق وبحسب التعرّض وبحسب قبول المحلّ وطهارة القلب ، وذلك البحر الذي لا يُدرك غوره ولا يبلغ ساحله » . . .
[1] فهم القرآن ، دراسة في ضوء المدرسة السلوكيّة ، تأليف : جواد علي كسّار ، الناشر : مؤسّسة العروج 1424 ه : ص 389 . [2] أبجد العلوم ، صديق بن حسن القنوجي ، تحقيق عبد الجبّار زكار ، دار الكتب العلميّة ، بيروت - لبنان ، 1978 : ج 2 ص 184 .