مع ذلك على تقويم أحواله وأوصافه ، وقام بحفظه على الدوام على مقتضى تقويمه ، فهو مهيمن عليه » [1] . وقال الطباطبائي : « هيمنة الشيء على الشيء - على ما يتحصّل من معناها - كون الشيء ذا سلطة على الشيء في حفظه ومراقبته وأنواع التصرّف فيه ، وهذا حال القرآن الذي وصفه الله تعالى بأنّه تبيان كلّ شيء بالنسبة إلى ما بين يديه من الكتب السماويّة ، يحفظ منها الأصول الثابتة غير المتغيّرة وينسخ منها ما ينبغي أن ينسخ من الفروع التي يمكن أن يتطرّق إليها التغيّر والتبدّل ، حتّى يناسب حال الإنسان بحسب سلوكه صراط ؛ الترقّي والتكامل بمرور الزمان ؛ قال تعالى : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) ( الإسراء : 9 ) ، وقال : ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَ ) ( البقرة : 106 ) . فهذه الجملة - أعني قوله ( ومهيمناً عليه ( - متمّمة لقوله ( ومصدّقاً لما بين يديه من الكتاب ( تتميم إيضاح ، إذ لولاها لأمكن أن يتوهّم من تصديق القرآن للتوراة والإنجيل أنّه يصدّق ما فيهما من الشرائع والأحكام تصديق إبقاء من غير تغيير وتبديل ، لكن توصيفه بالهيمنة يبيّن أنّ تصديقه لها تصديق أنّها معارف وشرائع حقّة من عند الله ، ولله أن يتصرّف منها فيما يشاء بالنسخ والتكميل » [2] . فالقرآن يحفظ جميع الشرائع السماويّة السابقة ويصونها من الانحراف ، بل ويُكمل تلك الشرائع التي تلتقي جميعها في هدف واحد على الرغم من
[1] المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى ، لأبي حامد الغزالي ، حقّقه وقدّم له : الدكتور فضله شحادة ، الطبعة الثانية ، دار المشرق ، بيروت - لبنان : ص 76 . [2] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 5 ص 348 .