العبادة ، بمعنى أنّ مقتضى مولويّته تعالى أن يخضع العبد لمولاه ، سواء كانت هناك جنّة أو نار أم لم تكن . فالعبد هو الذي يسلِّم وجهه لربّه كما تقدّم ، عندئذ يدخل الإنسان في الولاية الإلهيّة ، فيكون الله وليّه ومسدّده في كلّ شيء ، وفي الحديث القدسي : « لا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل والعبادات حتّى أحبّه ، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يُبصر به ، ويده التي يُبطش بها ، ورجله التي يمشي بها » [1] . بهذا يتّضح معنى الرواية الواردة عن زيد الشحّام قال : سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول : « إنّ الله تبارك وتعالى اتّخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتّخذه نبيّاً ، وإنّ الله اتّخذه نبيّاً قبل إن يتّخذه رسولاً ، وإنّ الله اتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً ، وإنّ الله اتّخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً ، فلمّا جمع له الأشياء قال : ( إني جاعلك للناس إماما ) . قال : فمن عِظمها في عين إبراهيم قال : ( ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) [2] . فهذه العبوديّة ليست هي العبوديّة العامّة التكوينيّة الخارجة عن الاختيار ، وإنّما هي عبوديّة خاصّة يتقرّب بها الإنسان إلى الله تعالى إلى أن يختاره ويتّخذه عبداً له . وهي التي لها مراتب متعدّدة كما مرّ . إذن فرق بين أن تكون عبداً له تعالى ، وبين أن يرضاك الله ويقبلك عبداً له ، كما أنّه فرق بين أن تكون محبّاً لله وبين أن تكون محبوباً له سبحانه . فقد تودّ صديقاً من أصدقائك ولكنّه قد يقبل منك ويبادلك الحبّ والمودّة وقد
[1] عوالي اللآلي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة ، للشيخ المحقّق المتتبّع محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور ، تحقيق : البحّاثة المتتبّع الحاج آقا مجتبى العراقي ، الطبعة الأولى ، 1405 ه - ، ج 4 ص 103 . [2] الأصول من الكافي ، مصدر سابق : ج 1 ص 175 ، كتاب الحجّة ، باب طبقات الأنبياء والرُّسل والأئمّة ، الحديث : 2 .