وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) ( مريم : 93 ) . وإن كان إذا لم يجر على رسوم العبوديّة وسنن الرقّية استكباراً في الأرض وعتوّاً ، كان من الحريّ أن لا يسمّى عبداً بالنظر إلى الغايات ، فإنّ العبد هو الذي أسلم وجهه لربّه ، وأعطاه تدبير نفسه ، فينبغي أن لا يسمّى بالعبد إلاّ من كان عبداً في نفسه وعبداً في عمله ، فهو العبد حقيقةً ، قال تعالى : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ) ( الفرقان : 63 ) . وعلى هذا فاتّخاذه تعالى إنساناً عبداً - وهو قبول كونه عبداً والإقبال عليه بالربوبيّة - هو الولاية ، وهو تولّي أمره كما يتولّى الربّ أمر عبده ، والعبوديّة مفتاح للولاية كما يدلّ عليه قوله تعالى : ( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) ( الأعراف : 196 ) ; أي اللائقين للولاية » [1] . العبوديّة الخاصّة : وهي العبوديّة الاختياريّة التي امتاز بها بعض المخلوقين بمحض إرادتهم بالقُرب إلى الله تعالى . بيان ذلك : أنّ الإنسان وإن كان مملوك الوجود لربّه مخلوقاً مصنوعاً له ، سواء جرى في حياته على ما تستدعيه مملوكيّته الذاتيّة واستسلم أو لم يجر على ذلك ، لكن هذا الإنسان قد يقوم بأدب المملوكيّة والعبوديّة لله تعالى ، وقد لا يقوم بذلك . فإذا قام بأدب العبوديّة والمملوكيّة فهذه هي العبوديّة الخاصّة التي تختلف عن العبوديّة العامّة ، لأنّه قد يطيع مولاه لكنّه يعيش في داخل نفسه الاستكبار على مولاه وإن أطاعه خوفاً أو طمعاً . وعليه فإنّ جميع المخلوقات وإن كانت مملوكة له تعالى ولها عبوديّة عامّة تكوينيّة ، لكنّ البعض منها قام بأدب العبوديّة بأرقى وأكمل ما يمكن ، فعبدوا الله لا خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنّته ، وإنّما عبدوا الله لأنّه أهل
[1] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 1 ص 277 .