ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( النساء : 65 ) . ويعقب هذه المرتبة من الإسلام المرتبة الثالثة من الإيمان ، قال تعالى : ( إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) ( البقرة : 131 ) . والأخلاق الفاضلة من الرضا والتسليم والصبر في الله ، وتمام الزهد والورع ، والحبّ والبغض في الله ، من لوازم هذه المرتبة . الرابعة : ما يلي المرتبة الثالثة من الإيمان ، فإنّ حال الإنسان وهو في المرتبة السابقة مع ربّه حال العبد المملوك مع مولاه ، إذا كان قائماً بوظيفة عبوديّته حقّ القيام ، وهو التسليم الصرف لما يريده المولى أو يحبّه ويرتضيه ، والأمر في ملك ربّ العالمين لخلقه أعظم من ذلك وأعظم ، لأنّه حقيقة الملك الذي لا استقلال دونه لشيء من الأشياء ، لا ذاتاً ولا صفةً ولا فعلاً على ما يليق بكبريائه جلّت عظمته . فالإنسان - وهو في المرتبة السابقة من التسليم - ربما أخذته العناية الربّانية ، فشاهد عياناً أنّ الملك لله وحده لا يملك شيء سواه لنفسه شيئاً إلاّ به . ولعلّ في قوله تعالى : ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ) ( البقرة : 128 ) إشارة إلى هذه المرتبة من الإسلام ، وإلاّ فليس من المعقول أن يكون المطلوب له عليه السلام هو الإسلام بمعناه المتبادر إلى أذهاننا الذي هو أوّل مراتب العبوديّة ، وهو الأخذ بظاهر الاعتقادات والأعمال الدينيّة ، وإبراهيم عليه السلام - وهو النبيّ الرسول أحد الخمسة أولي العزم ، صاحب الملّة الحنيفيّة - أجلّ من أن يتصوّر في حقّه أن لا يكون قد نال هذه المرتبة إلى هذا الحين ، وكذا ابنه إسماعيل رسول الله وذبيحه ، أو يكونا قد نالاه ولكن لم يعلما بذلك ، أو يكونا علما بذلك وأرادا البقاء عليه ، وهما فيما هما فيه من القربى والزلفى ، والمقام مقام الدعوة عند بناء البيت المحرّم ، وهما أعلم