وأمّا الكذب غلطاً ، فمنعه الجمهور وجوّزه القاضي أبو بكر » [1] . والجواب : أنّ هذا الكلام - لو سلّمنا به جدلاً - غير وارد في المقام ; لأنّ نصوص حديث الثقلين لم تكن في واقعة واحدة حتّى يُقال بإمكان الاشتباه والغفلة فيها ، بل كرّر النبيّ صلّى الله عليه وآله ذلك في مواطن متعدّدة اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة كما قال ابن حجر ، ومن الواضح أنّ الغلط والاشتباه لا يتأتّى في مثل ذلك . وأمّا بطلانه نقلاً ، فلما صرّحت به عدد من الآيات القرآنية كقوله تعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) ( النجم : 3 ، 4 ) . وأمّا الاحتمال الثاني ، وهو حصول الاشتباه في إخبار القرآن عن نفسه ، فأيضاً باطل عقلاً ونقلاً . أمّا الأوّل فلأنّه يلزم الكذب والاشتباه على الله تعالى ، إذ إنّ القرآن هو كلام الذي أنزله على رسوله صلّى الله عليه وآله ، ومن الواضح أنّه تعالى منزّه عن ذلك ، كما هو محقّق في محلّه . وأمّا الثاني فلأنّ القرآن أخبر عن نفسه أنّه كتابٌ ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ) ( فصّلت : 42 ) ، وقال تعالى : ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ) ( النساء : 122 ) ، وقال تعالى : ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ) ( النساء : 87 ) ، وغيرها من النصوص القرآنية التي أثبتت هذه الحقيقة . وبهذا يتّضح مضمون تلك الروايات التي أشارت إلى أنّهم عليهم السلام يعلمون كتاب الله من أوّله إلى آخره ومن خلاله يعلمون خبر الأرض والسماء ، وخبر ما كان وما هو كائن وما يكون إلى يوم القيامة ، وخبر الجنّة والنار ، وأمر الأوّلين والآخرين ، وأنّ ذلك نصب أعينهم ، وكأنّه في أكفّهم .