قال في الميزان : « لو كان ارتفاع اختلاف آية مع آية بأن يقال : إنّه أُريد بإحداهما أو بهما معاً غير ما يدلّ عليه الظاهر ، بل معنىً تأويلي باصطلاحهم لا يعلمه إلاّ الله سبحانه مثلاً ، لم تنجح حجّة الآية ، فإنّ انتفاء الاختلاف بالتأويل - باصطلاحهم - في مجموع من الكلام ولو كان لغير الله ، أمرٌ ممكن ، ولا دلالة فيه على كونه غير كلام البشر ، إذ من الواضح أنّ كلّ كلام حتّى القطعي الكذب واللّغو يمكن إرجاعه إلى الصدق والحقّ بالتأويل والصَرْف عن ظاهره ، فلا يدلّ ارتفاع الاختلاف بهذا المعنى - وهو صرف الكلام عن ظاهره - عن مجموع الكلام على كونه كلام مَنْ يتعالى عن اختلاف الأحوال وتناقض الآراء والسهو والنسيان والخطأ والتكامل بمرور الزمان ، كما هو المراد بالاحتجاج في الآية . فالآية بلسان احتجاجها صريحة في أنّ القرآن معرض لعامّة الأفهام ومسرح للبحث والتأمّل والتدبّر ، وليس فيه آية أُريد بها معنىً يخالف ظاهر الكلام العربي » [1] . هذا مضافاً إلى أنّه يرد على هذين القولين أنّهما يفترضان أنّ التأويل من مقولة المعنى والمفهوم ، وسيأتي لاحقاً أنّ تأويل الآية ليس مفهوماً من المفاهيم تدلّ عليه الآية ، سواء كان موافقاً لظاهرها أو مخالفاً له ، بل هو من قبيل الأمور العينيّة الخارجيّة كما سيتّضح . الاتّجاه الثاني : التأويل من الأمور العينيّة يقوم هذا الاتّجاه على أساس أنّ التأويل ليس من مقولة المعاني المرادة باللفظ ، بل هو الأمر العيني الذي يعتمد عليه الكلام ويرجع إليه ، فإن كان
[1] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 3 ص 47 .