والحاصل من هذه الجولة في المقدّمة الأولى أنّ البطون مراتب وجوديّة ، ومن ثمّ فهي ليست من مقولة المفاهيم والأفكار النظريّة ، وما دامت البطون من مقولة الغيب داخلة في المستور الغائب عنّا فلا مجال لإدراكها بالجدالات الكلاميّة ولا حتى بالقياسات الفلسفيّة والبراهين العقليّة . لكن إذا كان النشاط الذهني والفعّاليّة العقليّة قاصرين عن التعاطي مع بطون القرآن بواقعها الوجودي الكامل ، فإنّ ذلك لا يعني انسداد الطريق مطلقاً ، بقدر ما يملي على الإنسان الارتقاء من طور في المعرفة أداته العقل إلى طور آخر أداته القلب . والوسيلة إليه التزكية وفكّ أواصر الارتباط المادّي ، كما سنقف عليه في المقدّمات اللاحقة . المقدّمة الثانية : أقسام العلم لا يسعنا في هذا المجال استيفاء بحث العلم وأقسامه ، إذ هو موكول إلى دراسات مخصّصة ، لكن بنحو الإجمال يمكن أن يقال : العلم هو حضور المعلوم لدى العالم ، وينقسم قسمة حاصرة إلى قسمين : الأوّل : العلم الحصولي : وهو حضور المعلوم عند العالم به من خلال صورته ، فهو لا يدركه من خلال ذاته ; بل عبر صورته الحاكية والكاشفة عنه ، وهذا يعني وجود وسيط بين العالم والمعلوم الخارجي ، فهو لا يحضر بنفسه لدى العالم ولا يشهده ، بل يشاهد صورته الحاكية عنه ، وهذا هو المصطلح عليه بالعلم الحصولي . الثاني : العلم الحضوري : وهو حضور المعلوم لدى النفس بنفس وجوده الخارجي لا بصورته ، كعلم الإنسان بنفسه ، وكذلك علمه بالمدركات الوجدانية كالجوع والعطش والألم والحزن والفرح والحبّ