والبغض والأمن وما إلى ذلك ، فهي كلّها من سنخ العلم الحضوري ، ومن الواضح أنّ العلم بها وإدراكها لا يحتاج فيه إلى واسطة حاكية وكاشفة عنها ، بل بمجرّد وجود أحدها في النفس يحصل العلم به مباشرةً ، ويدفع بالإنسان نحو آثاره . وإلى هذا المعنى أشار عدد من العلماء والباحثين : قال الشيرازي : « كما أنّ العلم بالشيء قد يكون صورة ذهنيّة كما في علمنا بالأشياء الخارجة عنّا علماً عقليّاً ، وذلك العلم لا محالة أمرٌ كلّي وإن تخصّصت بألف تخصّص ، فكذلك قد يكون أمراً عينيّاً وصورة خارجيّة كما في علمنا بنفسنا وبصفاتها اللازمة ، فإنّا ندرك ذواتنا بعين صورتنا التي نحن بها لا بصورة زائدة عليها ، فإنّ كلّ إنسان يدرك ذاته على الوجه الذي يمتنع فيه الشركة ، ولو كان هذا الإدراك بصورة حاصلة في نفسنا فهي تكون كلّية وإن كانت مجموع كليّات ، جملتها تختصّ بذات واحدة ، إذ مع ذلك لا يخرج نفس تصوّره عن احتمال الصدق على كثيرين » [1] . وقال السبزواري : « العلم حصولي وحضوري : والحصولي هو الصورة الحاصلة من الشيء عند العقل ، والحضوري هو العلم الذي هو عين المعلوم لا صورته ونقشه ، كعلم المجرّد بذاته أو بمعلوله كعلم الحقّ تعالى بمعلولاته عند المحقّقين ، وليس بتصوّر ولا بتصديق لأنّ مقسمهما العلم الحصولي » [2] .
[1] الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة ، لمؤلّفه الحكيم الإلهي والفيلسوف الربّاني صدر الدِّين محمّد الشيرازي مجدّد الفلسفة الإسلاميّة ، المتوفّى سنة 1050 ه - ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت - لبنان ، الطبعة الرابعة : 1410 ه : ج 6 ص 155 . [2] عيون مسائل النفس ، آية الله حسن حسن زاده آملي ، مؤسّسة انتشارات أمير كبير ، عين رقم 35 : ص 519 .