وبإخلاصه ، قد كان له تأثير كبير في اجتذاب الكثيرين إليه ، فأقبلوا عليه , واستفادوا منه ، ونهلوا من معين علمه ، واقتنعوا بما يقول ، واعتقدوه والتزموه . وذلك لأنه كان يأتي من باب الحجة والدليل ، لا من باب الإرهاب والتحدي ، وجرح المشاعر ، والعواطف . وهذا بالذات قد أوقع الآخرين في مأزق ، وثارت ثائرتهم ، وصاروا إلى منابذته ، وواجهوه بالمكروه ، لا بالدليل والمنطق ، وكان السب ، وإثارة الفتن ، هو إحدى وسائلهم . وقد تعرض للنفي أكثر من مرة أيضاً . ثم جاء المؤرخون الذين هم من الفريق الآخر ، وكانوا يكرهونه ، ويحقدون عليه ، فصبوا عليه جامات الغضب والحقد بالألفاظ الجارحة والمهينة . ولم يفتهم الإعراب عن سخطهم الشديد والتنديد الأكيد بما تركه المفيد من أثر في نشر المعارف الإسلامية بين الناس ، وإرشادهم ، والأخذ بيدهم إلى طريق الخير والسداد ، نعم لم يفتهم التنديد بذلك حتى وهم يتحدثون عن تشييع جنازة هذا الرجل الفذ . حيث تشعر أن موته رحمه الله كان بالنسبة إليهم بمثابة التخلص من كابوس كان جاثماً على صدورهم ، وآخذاً بأنفاسهم إلى درجة كانوا يحسون فيها بالاختناق حتى الموت ، أو ما هو قريب من ذلك : قال اليافعي وابن العماد : « كانت جنازته مشهورة ، شيعه ثمانون ألفاً من الرافضة والشيعة وأراح الله منه » [1] . وقال الذهبي : « كان من أحرص الناس على التعليم ، يدور على المكاتب ، وحوانيت الحاكة ، فيتلمح الصبي الفطن ، فيستأجره من أبويه يعني فيضله قال : وبذلك كثر تلامذته » [2] .
[1] شذرات الذهب ج 1 ص 200 ، ومرآة الجنان ج 3 ص 28 . [2] سير أعلام النبلاء ج 17 ص 344 .