الآخرون أن يمنع الآخرين من طرح آرائهم ، والجهر بأدلتهم ، بحجة أن ذلك يؤذيه ، ويجرح مشاعره . فكل إنسان له قناعاته ، وأراؤه وأفكاره وله كامل الحرية في أن يطرحها ليتداولها الآخرون ، ولينظروا في أدلتها ومبرراتها ، وليميزوا غثها من سمينها ، وصحيحها من سقيمها ، ما دام أنه ملتزم بالمنهج العلمي الصحيح والموضوعي ، وبالكلمة النزيهة والمهذبة ، ويطلب من الآخرين أن يلتزموا بذلك أيضاً . وأما الذين يلزمون أنفسهم بالتزامات معينة ، فغاية ما يسمح لهم به هو : أن يقدموا أفكارهم وأدلتهم أيضاً ، ويطرحها للتداول والنظر ، بالطريقة العلمية المقبولة والمعقولة ، وبإنصاف وموضوعية . هذا ما فعله المفيد : وهذا بالذات هو ما فعله الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه ، فإنه ما زاد على أن قدم آراءه وأدلته في قضايا محددة بأدب وموضوعية ، وبالكلمة الصريحة ، والنزيهة والمهذبة ، دون تجنٍ أو اعتداء ، أو تزوير أو افتراء ، أو شتم أو سباب وما إلى ذلك . وعلى هذا ، فليس لأحد أن يمنعه من ذلك ، ولا أن يتهمه ، أو يشكك في صحة نيته ، وسلامة طويته ، فضلاً عن أن يوجه إليه السباب والشتائم ، والإهانات ، لا لشيء إلا لأنه قد عجز عن أن يواجه الدليل بالدليل ، والحجة بالحجة . غير أن لكل أحد الحق في أن يفند آراء المفيد إن استطاع استناداً إلى الدليل القاطع والبرهان الساطع ، وتلك هي شيمة كل عاقل منصف ، يحترم نفسه ، وعلمه ، وأدبه ، ويشعر بالمسؤولية الشرعية ، والإنسانية ويحترم الآخرين ، ويقدر فيهم العلم والمعرفة والخلوص .