« . . والذي كرهه عليه السلام منهم ، أنهم كانوا يشتمون أهل الشام ، ولم يكن يكره منهم لعنهم إياهم ، والبراءة منهم ، كما لا يتوهمه قوم من الحشوية ، فيقولون : لا يجوز لعن أحد ممن عليه اسم الإسلام . وينكرون على من يلعن ، ومنهم من يغالي في ذلك ، فيقول : لا ألعن الكافر ، ولا ألعن إبليس ، وإن الله تعالى لا يقوم لأحد يوم القيامة ، لِمَ لَمْ تَلعن ؟ وإنما يقول : لِمَ لعنت ؟ . واعلم أن هذا خلاف نص الكتاب ؛ لأنه تعالى قال : * ( إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ) * [1] . وقال : * ( أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَعِنُونَ ) * [2] . وقال في إبليس : * ( وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ) * [3] . وقال : * ( مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا ) * [4] . وفي الكتاب العزيز من ذلك الكثير الواسع . وكيف يجوز للمسلم أن ينكر التبرؤ ممن يجب التبرؤ منه ؟ ألم يسمع هؤلاء قول الله تعالى : * ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ ) * [5] » إلى أن قال المعتزلي : « ومما يدل على أن من عليه اسم الإسلام إذا ارتكب الكبيرة يجوز لعنه ، بل يجب في وقت ، قول الله تعالى في قصة اللعان : * ( فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) * [6] .
[1] سورة الأحزاب ، آية : 64 . [2] سورة البقرة ، آية : 159 . [3] [4] سورة الأحزاب ، آية : 61 . [5] سورة الممتحنة ، آية : 4 . [6] سورة النور ، آية : 6 - 7 .