فعالجها معالجة الطبيب الحاذق ، وبيَّن الغثَّ فيها من السمين ، والصحيح من السقيم ، والحقيقي من المزيف . وكان لصراحة هذا الرجل ، وصدق لهجته ، وقوة حجته ، وساطع برهانه ، الأثر الظاهر والعميق في إثارة حفيظة ذلك النوع من الناس الذين تحدثنا عنهم في بداية هذا البحث ضده ، فجعلوه غرضاً ترميه سهام الحقد والشنآن ، والعجز ، حيث لم يكن في كنانتهم إلا السباب والشتم ، وإلا البهتان والإرجاف بالباطل . مع ضعف بصيرة ، وتعصب مقيت وبغيض ، وجهل مزرٍ ، وقلة ورع ودين ، وبعد عن أبسط قواعد الآداب ، والأخلاق الإسلامية والإنسانية ، كما يتضح لكل من يقرأ كلماتهم عنه وفي وصفه - رحمه الله - . فالمفيد يحلق ، وهؤلاء يُسِفُّون ، والمفيد يبدع وهؤلاء يتنطّعون ، والمفيد يبحث ويدقق ، ويتأمل ويحقق ، وهؤلاء في سكرتهم يلعبون ، وفي طغيانهم يعمهون . ولم تستطع كل الأراجيف التي واجهته رحمه الله أن تخرجه من طوره ، ولا أن تعدل به عن نهجه الذي رسمه ، لنفسه ، بل بقي يعتمد الكلمة المهذبة والصريحة وسيلة تعبير ، والأسلوب العلمي الرصين الهادئ طريقة بحث ، مع إنصاف أبي ، ومع إشفاق رضي ، وحرص ظاهر على إظهار الحق ، ونشر الهداية بكل اتجاه ، وعلى كل صعيد ، هذا إلى جانب مثابرة وإصرار ، وصبر وأناة ، وجهد مضن ومتواصل . ولشد ما كان يؤلمه ما يراه يتفشى في الناس ، من هوى يتبع ، ومذاهب تبتدع ، ومن بلاء الجهالة ، وحيرة الضلالة ، ومن عصبيات تصد عن الحق ، وتقود إلى المهالك . وإلى المصائب والبلايا ، والنكبات والرزايا . لنقترب قليلاً : وواضح بعد هذا : أن فذلكة البحث تتطلب منا الاقتراب أكثر إلى أجواء وآفاق الشيخ المفيد ، عملاق الفكر والعلم ، ومتابعة نهجه ، لنجد : أن نظرة