لن يوفروا أية فرصة للنيل منها ، وسيلاحقونها بالنقد والتجريح ، وإظهار أية نقطة ضعف يعثرون عليها بصورة استفزازية ، وعدوانية ، ويجعلون من الحبة قبة ، إن أمكنهم ذلك . كما أن هذه الحساسية ، وذلك الاحتكاك قد أسهم في تعميق جذور ثقافة هذا الرجل ، وأوسع من آفاقها ، حينما وجد نفسه رحمه الله ينفتح بصورة طبيعية على فكر الآخرين ، وعلى ثقافاتهم ، وعلى عقلياتهم ، دون أن يجد حرجاً أو يحس ضعفاً ، أو يوجس في نفسه أدنى خيفة أو تردد . و « كان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية » [1] . فلا غرو بعد هذا إذا وجدناه الفقيه المدقق ، والمؤرخ المحقق ، والكلامي المحلق ، ثم كان المناظر البارع والمنصف ، إلى جانب كونه رجالياً ، محدثاً ، عالماً بالتفسير ، وعلوم القرآن ، وأصول الفقه ، وغير ذلك من علوم إسلامية كانت متداولة في عصره ، مارسها ، ونهل من معينها الصافي ، حتى أصبح العالم الفذ ، الذي رحبت آفاقه ، وتعمقت نظرته ، ودقت ملاحظته ، بل لا نجازف إذا قلنا : إنه قد سبق عصره بأشواط ومراحل كبيرة وكثيرة . حتى قال عنه البعض : « كان أوحد في جميع فنون العلم : الأصلين ، والفقه ، والأخبار ، ومعرفة الرجال ، والتفسير ، والنحو ، والشعر » [2] . ووصفوه أيضاً بأنه « رئيس الكلام والفقه والجدل » [3] . مشكلتهم ، أم مشكلة المفيد ؟ ! : أما مشكلة المفيد مع الآخرين ، أو بالأحرى مشكلتهم مع المفيد وهي : أنه رحمه الله قد وضع إصبعه على مواضع حساسة ، بل وفي غاية الحساسية ،
[1] مرآة الجنان ج 3 ص 28 ، وشذرات الذهب ج 3 ص 200 ، وسير أعلام النبلاء ج 17 ص 344 . [2] سير أعلام النبلاء ج 17 ص 344 . [3] شذرات الذهب ج 3 ص 200 ، وراجع : مرآة الجنان ج 3 ص 28 فقد وصفه ب - « البارع في الكلام والجدل والفقه » .