الإحجام ، حتى إذا تبين له عدم صلاحيته وكفايته ، تدارك ذلك بالبحث عما هو أوضح وأجلى وأتم ، ثم هو لا يجد حرجاً في أن يستسلم للرأي الآخر إذا كان ذلك الرأي يملك الدليل السوي ، والبرهان القوي . والشيخ المفيد رحمه الله هو من هذا النوع بالذات ، فهو إنما يستشعر الأمن ، ويحس بالسلام ، وبالقوة حين يكون إلى جانب الدليل ، وتحت راية البرهان . وقد كان لهذا الشعور آثاره على نهجه العلمي ، بل وعلى روحه وعقله ، على خصائصه النفسية أيضاً . وبعد هذا ، فلا عجب إذا رأينا في الشيخ المفيد : أنه ذلك الرجل القوي والشجاع ، والصريح اللهجة ، الذي لا يخشى من ان يحرجه شيء فيخرجه عن طمأنينته ، أو يخل بتوازنه . الآفاق الرحبة : وإذا كان الشيخ المفيد رحمه الله يريد أن يستنجد بالحجة والدليل في كل ما يذهب إليه ، ويؤمن به ، وأن يتعامل مع القضايا التي تواجهه على هذا الأساس ، فقد كان من الطبيعي أن يعمل على تثقيف نفسه بمختلف المعارف الإسلامية ، وأن يسبر أغوار العلوم الإسلامية على اختلافها ، حتى ليقال : « إنه كان مُديماً للمطالعة والتعليم . ومن أحفظ الناس . قيل : إنه ما ترك للمخالفين كتاباً إلا حفظه . وبهذا قدر على حل شبه القوم » [1] . نعم ؛ لقد كان همه أن يثقف نفسه بما قدر عليه من العلوم التي كانت متداولة في ذلك العصر ، وأن يتتبعها ويلاحقها ، ويمارسها ، حتى أصبحت لديه حصيلة علمية إسلامية ، واسعة ، تمتاز بالدقة , وبالعمق ، وبالشمولية ، ثم هي قد جاءت على درجة من الخلوص والصفاء ؛ لأنها قد صقلتها حساسية القضايا ، التي كانت تتحرك في مجالها ، الأمر الذي يحمل معه الاحتكاك بالآخرين ، الذين