وبأي حجة ومبرر يجعل هؤلاء في مصاف الزنادقة الخارجين عن أي دين ؟ ! . وإذا كان السيف هو دليل الخلفة وحجته ، فهل يصلح السيف والسلطان دليلاً في أمور اعتقادية كهذه ؟ ! وهل إذا غير الخليفة مذهبه أو جاء خليفة آخر لا يوافقه في المذهب ، هل يتغير الدليل والحجة ؟ ! أم أن الدليل يبقى هو الدليل ، والحجة تبقى هي الحجة ؟ ! وإذا كانت الحجة على خروج هؤلاء جميعاً عن الإسلام موجودة ومتوفرة ، فلماذا لا يعرضها الخلفة وأتباعه للنظر فيها ؟ ! وما هو وجه الحاجة إلى المرسوم ؟ فإن الناس يحبون أن يتدينوا بدين الحق إذا توفرت لديهم القناعات الكافية بصحته ، وقام الدليل القاطع على صوابه . وهل لنا أن نسأل المؤرخين لهذه الفترة من الزمن : هل قتل أو صلب أو نفي ، أو حبس ، أو لعن على منابر المسلمين أحد من الزنادقة ، الذين يتستر الخليفة ومن معه بذكر اسمهم في المرسوم فقط وذلك بهدف التمويه ، والتشويه ، وتبرير البغي والتجني على الآخرين ؟ ! . وإن مما هو جدير بالملاحظة هنا هو : أننا نجد الخليفة يستخلف رجلاً على خراسان ، ويجعل مهمته هي قتل ، وحبس ، وصلب ، واضطهاد الناس لأجل عقائدهم . فقام بهذه المهمة على أكمل وجه وأتّمه وفعل بالأبرياء ما فعل مما هو مذكور ومسطور . وقد كانت خراسان هي الضحية في بادئ الأمر ، لأن الأمر فيها أسهل وأيسر . لأنها لبعدها عن مركز الخلافة لا يشكل أي تحرك فيها خطراً على الحكم ، ويمكن تطويقه والقضاء عليه ، قبل أن تصل بوادره إلى العاصمة العباسية . وآخر ما يلفت النظر هنا هو : هذه الرقة الفائقة ، التي تبدو وكأنها تقطر من الحروف والكلمات المنتقاة والمتخيرة التي يَزفُّ فيها المؤرخون ( الحنابلة في الأكثر ) هذه البشرى للأجيال بعدهم . فنجد الطمأنينة والعاطفة ، والأنس ،