العامة ، وضيقوا عليهم ، فاشتد عليهم الجوع ، فأقبلوا يخرجون ، والناس يقتلونهم ، حتى قتلوا عن آخرهم ، ولجأ من كان منهم بالمهدية إلى الجامع فقتلوا كلهم . وكانت الشيعة تسمى بالمغرب ( المشارقة ) ، نسبة إلى عبد الله الشيعي ، وكان من المشرق . وأكثر الشعراء ذكر هذه الحادثة ، فمن فرح مسرور ، ومن باك حزين » [1] . ونقول : ليس من السهل على الإنسان تصور أناس قساة جفاة ، ويحملون روحاً شريرة عاتية إلى حد أن تبادر هذه الجماعة إلى إبادة طائفة كبيرة من الناس ، واستئصالها من جميع أنحاء البلاد المترامية الأطراف ، وبهذه الصورة الحاقدة والبشعة ، بالسيف والجوع ، والحرق بالنار . نعم ، إنها تقوم بذلك من دون مبرر ولا موجب ، سوى التعصب المقيت والبغيض ، ومن أجل نهب الأموال ، والحصول على المال . ومهما يزيد في حيرتنا وذهولنا : أن يتم ذلك استناداً إلى تهمة يلقيها أناس ضد آخرين في ظهر الغيب ، ومن دون أن يطالب المتهمون بذنبهم ، وبتوضيح موقفهم من التهمة الموجهة إليهم . وأغرب من ذلك أن يكون جواب المعز بكلمة : رضي الله عن أبي بكر وعمر ، هو الضوء الأخضر ، لمباشرة حملة الإبادة هذه . مع أن هذه الكلمة لا تستبطن تصديقاً للتهمة ، فضلاً عن أن تعتبر إذناً بارتكاب هذه المجزرة المرعبة في حق أولئك الأبرياء . وبعد ما تقدم ، فهل صحيح : أن هؤلاء الناس كانوا يسبون أبا بكر وعمر ؟ !
[1] الكامل في التاريخ ج 9 ص 294 - 295 ، وراجع : تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 460 لكن الطابع قد وضع نقاطاً في موضع بعض الكلمات ، لحاجة في نفسه قضاها .