دون رعاية لحرمة ما فيه من كلام الله سبحانه . وحتى لو كان علماء أهل السنة يرون لزوم إتلافه ، فإن الأخلاق والإنسانية تقتضي مشاركة علماء الشيعة في الرأي وفي القرار في هذا الأمر . وقد كان يمكن الاحتفاظ به لمن يرى عدم لزوم إتلافه من موقع مالكيته له ، ومن موقع رأيه الديني واجتهاده الفقهي ، وقد كان هذا يكفي معذراً لأُولئك الفقهاء الآخرين ، الذين فعلوا ما فعلوا ، وارتكبوا ما ارتكبوا . وحتى إتلافه ، فإنه لو كان واجباً كما يدّعيه هؤلاء فإنه لا ينحصر بطريقة الإحراق ، التي تحمل طابع الإهانة وعدم الاحترام . وحتى لو لم تكن كذلك ، فإن الحفاظ على مشاعر الآخرين ، وملاحظة رأيهم الاعتقادي كان يحتم ذلك ويقتضيه ، إذ لا ريب في أن الواجب بنظر هؤلاء ليس هو الإحراق ، وإنما هو الاتلاف . ولو تجاوزنا جميع ما تقدم إلى جانب آخر من الجوانب التي لهذا الحدث ، فإننا نجد : أن النكبة التي تعرض لها الشيعة ، بسبب قضية المصحف ، قد تمت اعتماداً على كتاب من نمّام وصل إلى الخليفة بأن رجلاً قد دعا على من أحرق المصحف وسبّه . مع ان هذا لا يكفي لصحة الحكم بقتل الرجل ، لا من حيث طريقة المعرفة بما جرى ، ولا من حيث حجم الجريمة ، وما قرّره الخليفة جزاء عليها ، لو ثبتت . وأغرب من ذلك : أنه بعد أن عفا الخليفة عن المذنبين لو كان هناك مذنبون ، لماذا يصر عميد الجيوش على نفي الشيخ المفيد بالذات ، ودون كل أحد سواه ؟ وما هو الذنب الذي ارتكبه المفيد ليستحق معه النفي والتشريد ؟ ! وفي مقابل ذلك نجد : أن الذي أحرق المصحف قد عاد إلى داره في أمره وأمان كعادته ، ودون أن يتعرض له أحد بسوء ! . وإذا كان الأحداث هم الذين صاحوا يا حاكم يا منصور ، فهل يحق