بعد أن شرط عليهم ترك التعرض للفتن [1] . ونقول : لا ندري من أين نبدأ في إبداء ملاحظاتنا على هذا الحادث المذهل ! ! وكيف يمكننا أن نفهمه ، فضلاً عن أن نقيمه ، ونعطي رأينا فيه ؟ ! فها نحن نرى : أن نفس ذلك الذي أُعتدي عليه ، وسُبَّ ، وأُهين أوّلاً قد أصبح هو الضحية في النهاية ، كما كان الضحية في البداية ، فيتعرض للنفي والتشريد ويناله من بغيهم وحقدهم كل سوء ومكروه . كما أن ذلك الذي يفترض فيه أن يكون الحَكَم الذي يُنتهى إليه حين التنازع ، قد جعل نفسه خصماً لأحد الفريقين ، وبادأه بالشر والتعدي ، لا لشيء إلا لأنه يقول بخلاف مقالته ، ويذهب إلى غير مذهبه . فأصبح المصلح هو المفسد ، والحكم هو الخصم ، وكانت الضحية هي الحق والدين ، والخلق النبيل والرفيع . ويتضح ذلك أكثر إذا لاحظنا : أن المعتدي أولاً ، والذي قصد الشيخ المفيد ليسبّه بين تلامذته وأصحابه قد كان رجلاً عباسياً ( من الهاشميين ) يكنّ بغضاً وحقداً على الشيعة من موقع عباسيته ، ومخالفته لهم في المذهب والاعتقاد . ثم يأتي الحكم العباسي بكل ما يملكه من قوة وسلاح وعتاد ، لا ليصلح بين المتخاصمين ، ولا ليؤدّب المعتدي ، ويردع الظالم ، ويأخذ للمظلوم ، من ظالمه ، وإنما ليعين الظالم في ظله وليرتكب أبشع الجرائم في حق الناس الأبرياء العاديين الذين لا حول لهم ولا قوة إلا بالله . أما بالنسبة لقضية مصحف ابن مسعود ، فقد ألمحت بعض النصوص التي أوردها بعض من أرّخ هذه الحادثة إلى أنه قد أخذ غصباً في عمليات النهب والتعدي على بيوت الشيعة . لا لأجل أن يحتفظ به كأثر نادر ونفيس ، ولا ليكرم ويعظم لما يضمه من آيات بيّنات ، وإنما ليحرق بلا إذن صاحبه ، ومن
[1] راجع : المنتظم ج 7 ص 238 ، وشذرات الذهب ج 3 ص 149 - 150 ، وتاريخ الإسلام ( حوادث سنة 380 - 400 ه ) ص 338 .