وقد صرّح ابن خلدون هنا بأنّهم قد قصدوا من تمثيل هذه القضية في هذه السنة إغاظة الوزير [1] . ولا ندري كيف رضي هؤلاء لأنفسهم أن يمثلوا دور الفئة الباغية على إمامهم ، وأن يضربوا الأمثال لوزيرهم بمعركة ، كان الذين يتمثلون بهم قد خسروا وانهزموا فيها شرّ هزيمة ، كما هو معلوم . ومهما يكن من أمر ، فسوف نتكلم حول هذه الحادثة فيما يأتي إن شاء الله تعالى . 9 - سنة 363 ه . ثمّ كانت حادثة أُخرى في أواخر هذه السنة أيضاً ، ليست هي الأخرى بأفضل من سابقتها . قال ابن الأثير : « ثارت العامة من أهل السنّة ينصرون سبكتكين ؛ لأنه كان يتسنّن ، فخلع عليهم ، وجعل لهم العرفاء ، والقواد ، فثاروا بالشيعة ، وحاربوهم ، وسفكت بينهم الدماء ، وأحرقت الكرخ حريقاً ثانياً ، وظهرت السنة عليهم » [2] . وقال ابن كثير : « وقويت السنّة على الشيعة ، وأحرقوا الكرخ ، لأنّه محل الرافضة ثانياً » [3] . ونقول : - إن أوّل ما يلفت نظرنا هنا هو أنّ نصرة أهل السنّة لسبكتكين تعود إلى أنّه كان يتسنّن . وليس لأجل عدله واستقامته ، وإنصافه . - ثمّ نجد هذا النصّ يصرّح بأنّ أهل السنّة لما وجدوا من سبكتكين هذا الاهتمام بهم ، ووجدوا في أنفسهم القوّة ، وحصلوا على المناصب ، لم يشكروا الله ، ولم يهتموا بإشاعة العدل والأمن ، بل عمدوا إلى البغي ، والتعدّي ، فثاروا
[1] العبر وديوان المتبدأ والخبر ج 4 ص 447 . [2] الكامل في التاريخ ج 8 ص 637 ، وراجع : المنتظم ج 7 ص 68 ، وتاريخ الإسلام للذهبي ( حوادث سنة 380 - 400 ه ) ص 287 ، والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج 4 ص 448 . [3] البداية والنهاية ج 11 ص 275 .