3 - سنة 354 ه . « فيها عمل في يوم عاشوراء المأتم ببغداد ، كالسنة الماضية . ولم يتحرك لهم السنيّة ، خوفاً من معز الدولة » [1] . هكذا قال ابن تغري بردى . ولكن ابن كثير الحنبلي يصرح بأنّ الفتن قد حصلت ببغداد فيما بين السنّة ( الحنابلة ) والشيعة في هذه السنة أيضاً ، فهو يقول : « في عاشر المحرم منها عملت الشيعة مأتمهم وبدعتهم على ما تقدم قبل ، وغلقت الأسواق وعلّقت المسوح ، وخرجت النساء سافرات ، ناشرات شعورهنّ ، ينحن ويلطمن وجوههنّ في الأسواق والأزقة على الحسين . وهذا تكلّف لا حاجة إليه في الإسلام ، ولو كان هذا أمراً محموداً ، لفعله خير القرون ، وصدر هذه الأُمّة ، وخيرتها ، وهم أولى به * ( لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ) * وأهل السنّة يقتدون ولا يبتدعون . ثمّ تسلّطت أهل السنّة على الروافض ، فكبسوا مسجدهم ، مسجد براثا ، الذي هو عش الروافض ، وقتلوا بعض من كان فيه من القومة » [2] . فالسنّة إذن قد كبسوا مسجد الشيعة ، على حين غفلة ، وقتلوا بعض من كان فيه من القومة . ثمّ إنّنا لا نريد هنا أن نناقش ابن كثير في صحّة ما استدل به لعدم جواز إقامة مأتم عاشوراء ولكنّنا نذكّر القارئ هنا بكتاب ألفّه العلاّمة الأميني ، حول مأتم سيّد الشهداء ، ومجالس الحزن التي كانت تقام من قبل الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم نفسه . والكتاب بعنوان : « سيرتنا وسنّتنا » . وقد جمع فيه مؤلّفه نصوصاً كثيرة متواترة عن عشرات المصادر الموثوقة . ثمّ نذكّر القارئ أيضاً بأنّ ابن كثير نفسه سيصرح بابتداع يوم الغار ، ويوم مصعب من قبل أهل السنّة أنفسهم كما سنرى .
[1] النجوم الزاهرة ج 3 ص 339 . [2] البداية والنهاية ج 11 ص 254 .