وأثمرت المحبة لما عند الملك وبغض آل محمد ورجالهم ، وتحدّثت السّوقة بذلك في الأسواق ، وجال بين الناس الشقاق ، وصار أتباع الملك مستظهرين بالكلام والجدال والخصام ، ومن يكره الملك تحت السبّ والقتل والطرد والجلد ، وانساقت المنافع إلى معاضد الملك بيده ولسانه ، واحتكمت دولة بني أمية ومعاضدها ، وذلل بالقهر والجور معاندها ، وستر المتقي عقيدته ، وكتم العاقل عبادته ، واستمرت الأمور بين الجمهور ، واشتدّت الأيام والعصور ، وسارت الكتب المصنفة بذلك في البلاد ، والتبس ما فيها من المقاصد على أكثر العباد ، والناس عبيد الدنيا وفي طباعهم حبّ العاجلة ، وعند الملك السيف والقلم والدينار والدرهم ، وآل محمد وأتباعهم تحت الخوف وبعضهم تحت السيف ، ولا يكاد يخفى عن معرفتك سرعة إجابة العوام إلى أغراض الحكام خوفاً وطمعاً ، يتقلّبون تحت إرادته كيف شاء ، وأنّى شاء ، ومتى شاء ! ومع ذلك ، الصّلوات قائمة ، والأذان مرتفع ، والصّوم معتبر ، والمواقيت والحج مستطاع ، والزكاة مأتية ، والجهاد قائم ، والناس على مراتبهم ، والأسواق منعقدة ، والسّبل مطرقة ، والملاهي بين العوام مبسوطة ، وليس في البلاء والشقاء والخوف والخفاء غير أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأشياعه وأتباعه . ولمّا استوثق الأمر لبني مروان بسبب قتل عثمان مقت علي بن أبي طالب عليه السلام ورجاله في قلوب الناس ، وثبت بينهم هذا الالتباس ، ونفخ الشيطان وقال باللّسان هلك الملك وهان ، ونشأ في الشريعة أصول ، ونما لها فروع ، وبسقت لها أفنان ، فأثمرت بها ، ثم لم يغرسها الحق ، ولا سقاها الرسول ، ولا جناها العقل ، ولا أكل ثمرها الأولياء ، ولا طعمها الفقراء ، فظهر بذلك مذاهب ، واختلفت فيه مسائل ، ونسخت أخبار وطويت آثار ، واستقر العالم على الخلاف والاختلاف وعدم الإيتلاف ، والجبلة الحيوانيّة بحسب مرباها ومنشأها ، كما أخبر الصادق الأمين : يولد المولود على الفطرة ، وإنما أبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه فينجسانه .