أبي طالب عليه السلام عليها مدّة إلى أن قتله معاوية ، أن يرفع قدر الحسن والحسين صلّى اللّه عليه وآله ، وقدر محمد بن الحنفية ، وقدر بني هاشم وآل أبي طالب ، وأن يكرم عبد الله بن العباس ، ويراعي حال أصحاب علي أحيائهم والأموات منهم ؟ هذا بعيد من القياس والسياسة الدنياوية . بل يجب على معاوية أن يفعل ما فعل من التدبير في قتل علي عليه السلام وأولاده ، وتشتيت شملهم ، وسبّ علي على المنابر ، وتهوين أمره ، ونسخ شرفه من صدور العوام ، وبثّ ذلك في العباد والبلاد ، وتهديد من صبا إليهم ، والتنكيل بمن أثنى عليهم ، هكذا مدّة دولته . ثم أودع في قلوب بني أمية بغض علي وبغض رجاله وآله عليهم السّلام ، حتى أدّى الحال إلى قتل الحسن بالسمّ ، والحسين بالسيف الذي نهب فيه حرمه ، وطيف برأسه في العباد والبلاد . وهل تمّ ذلك إلا برجال ألبَّاء ، عقلاء ، علماء فقهاء ، ومشايخ فقراء ، وأعيان أغنياء ، فيستعان بهم على تدبير العوام ، وإلقاء الأوهام ، وتخويف النفوس ، وزجر المتكلّمين عن الخوض في الناموس ؟ فلم يزل السبّ واللّعن والطرد والعزل في علي وأولاده ورجاله ألف شهر ، نشأ فيها رجال ومات فيها رجال ، وابيضّت لهم لحا واسوّدت لحا ، وولدت صبيان وأولاد ، واستوسقت بلاد وعباد ، وساد بمراضي بني أمية من ساد ، وانخذل أولاد علي عليه السلام ورجاله وأتباعه ومن يقتفي أثرهم في المدن والأقاليم ، لا ناصر لهم ولا معوان ، ولا مساعد ولا إخوان ، وبذلت على ذلك أموال ، ونشأ عليه رجال ، وقيلت فيه أقوال ، وركبت فيه أهوال ، وآل الأمر في الآل إلى ما آل . وجملة الباعة والفلاحون غافلون عن مقاصد الملوك والسلاطين وكبار الشياطين ، وانستر من ذلك خفايا واشتهرت قضايا ، وجرى من طباع أهل المدن وعوامّهم ما أراده الملك وتربّى الناس على أغراضه ،