ولكن العلماء - كما ذكرنا من قبل - أرادوا الجمع بينه وبين اللّفظ الصحيح المتفق عليه فحملوه على بعض الوجوه ، وهي سواء صحّت أو لم تصح محامل ولا يجوز التعبير عن تلك الوجوه ب ( التحريف ) إلا جاهل غبي أو متعصّب عنيد . وقد كان من تلك الوجوه ما ذكره العلامة الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي المتوفى سنة 652 في كتاب ( مطالب السئول في مناقب آل الرسول ) [1] فإنه قال بعد ذكر الإشكال : « فالجواب : لا بدّ قبل الشروع في تفصيل الجواب من بيان أمرين يبتني عليهما الغرض : الأول : إنه من السايغ الشايع في لسان العرب إطلاق لفظة ( الأب ) على ( الجدّ الأعلى ) وقد نطق القرآن الكريم بذلك فقال ( مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ) وقال تعالى حكاية عن يوسف ( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ) ونطق به النبي وحكاه عن جبرئيل في حديث الإسراء أنه قال : قلت : من هذا ؟ قال : أبوك إبراهيم . فعلم أن لفظة الأب تطلق على الجدّ وإن علا ، فهذا أحد الأمرين . والأمر الثاني : إن لفظة ( الاسم ) تطلق على ( الكنية ) وعلى ( الصفة ) وقد استعملها الفصحاء ودارت بها ألسنتهم ووردت في الأحاديث ، حتى ذكرها الإمامان البخاري ومسلم ، كلّ واحد منهما يرفع ذلك بسنده إلى سهل بن سعد السّاعدي أنه قال عن علي : واللّه إن رسول اللّه سماه بأبي تراب ولم يكن له اسم أحبّ إليه منه . فأطلق لفظة الاسم على الكنية . ومثل ذلك قال الشاعر : أجل قدرك أن تسمّى مؤنته * ومن كناك قد سمّاك للعرب وروي : ومن يصفك . فأطلق التسمية على الكناية وهو شائع في كلام العرب .
[1] هكذا اسمه لا ما ذكره ابن تيمية ، وهو مطبوع . وقد ترجم لابن طلحة وأثنى عليه كبار العلماء ، وعدّ من فقهاء الشافعية المشاهير ، توجد ترجمته في : العبر 5 / 213 ، والنجوم الزاهرة 7 / 33 ، وطبقات الشافعية للسبكي وابن قاضي شهبة وغيرها .