سرّي مرّتين ! فلما نزلنا زُبَالة إذا به قائم على البئر وبيده ركوة يريد أن يستقي ماء ، فسقطت الركوة في البئر ، فرفع طرفه إلى السماء وقال : أنت ربي إذا ظمئتُ إلى الماء * وقوَّتي إذا أردت الطعاما يا سيدي ما لي سواها ! قال شقيق : فواللّه لقد رأيت البئر قد ارتفع ماؤها ، فأخذ الركوة وملأها وتوضأ وصلّى أربع ركعات ثم مال إلى كثيب رمل هناك ، فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويشرب . فقلت : أطعمني من فضل ما رزقك اللّه وأنعم اللّه عليك ! فقال : يا شقيق لم تزل نعم اللّه علينا ظاهرة وباطنة ، فأحسن ظنّك بربّك . ثم ناولني الركوة ، فشربت منها فإذا سويق وسكر ، ما شربت واللّه ألذّ منه وأطيب ريحاً ، فشبعت ورويت ، وأقمت أياماً لا أشتهي طعاماً ولا شراباً ! ثم لم أرهُ حتى دخل مكة ، فرأيته ليلة إلى جانب قبة السّراب نصف اللّيل يصلّي بخشوع وأنين وبكاء ، فلم يزل كذلك حتى ذهب اللّيل . فلمّا طلع الفجر جلس في مصلاّه يسبّح ثم قام إلى صلاة الفجر وطاف بالبيت أسبوعاً وخرج ، فتبعته فإذا له حاشية وأموال وغلمان وهو على خلاف ما رأيته في الطريق ، ودار به الناس يسلّمون عليه ويتبرّكون به ! فقلت لبعضهم : من هذا ؟ فقال : موسى بن جعفر ! فقلت : قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيّد ! رواه الحنبلي . وعلى يده عليه السلام تاب بشر الحافي ، لأنه اجتاز على داره ببغداد فسمع الملاهي وأصوات الغناء والقصب تخرج من تلك الدار ، فخرجت جارية وبيدها قمامة البقل فرمت بها في الدّرب : فقال لها : يا جارية ! صاحب هذه الدار حرٌّ أم عبد ؟ فقالت : بل حرٌّ ، فقال : صدقت لو كان عبداً خاف من مولاه ! فلمّا دخلت قال مولاها وهو على مائدة السكر : ما أبطأك علينا ؟ فقالت : حدّثني رجل بكذا وكذا ، فخرج حافياً حتى لقي مولانا الكاظم عليه السلام فتاب على يده .